أكد الشّيخ محمّد المأمون القاسميّ الحسنيّ، عميد جامع الجزائر، يوم الاثنين 26 ربيع الأوّل 1446هـ، الموافق 30 سبتمبر 2024م، في كلمة بمناسبة افتتاح الطّبعة الـ26 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم، بولاية تلمسان، أنّ قضية أخلقة الحياة العامّة كانت الشّغل الشّاغل لنا منذ عقود.
وثمّن عميد جامع الجزائر، اختيار موضوع “منهج القرآن في أخلقة الحياة العامّة”، عنوانا للملتقى العلمي المنظّم بالمناسبة، مؤكدا أنّه “كان الشّغل الشّاغل لنا منذ عقود”، وأنّه كان “موضوع حديث في بعض المنابر. وأذكر أنّي قدّمت ورقة في الموضوع، في دورة للمجلس الإسلامي الأعلى، سنة 2000م؛ ثمّ قدّمت بشأنه مذكّرة، ضمن الاستشارات الّتي جرت عام 2011م”.
وأضاف الشّيخ محمّد المأمون القاسميّ الحسنيّ، “إنّ المطلوب منّا، هيئات ومؤسّسات، الإسهام بفعالية في أخلقة الحياة الاجتماعية، وتطهير البيئة الإعلامية والثقافية والاجتماعية، من كلّ ما يتنافى مع الأخلاق والقيم الإسلامية.. علينا أن نعمل للكشف عن أسباب الفساد، ومحاربته، بجميع مظاهره، وفي شتى مستوياته. وعلينا كذلك مكافحة الدجل، بشتّى أنواعه؛ ومكافحة الشعوذة الّتي انتشرت في بلادنا؛ وحماية المجتمع من الانحرافات والآفات، ومن الفجور الّذي يلاحقه، بشتّى الألوانّ.
وشدّد على أنّ “الباعث على ما أقوله، في هذا السّياق، هو القلق المتزايد من كلّ ما نراه من مظاهر، فيها من المنكرات ما لاسبيل إلى تصوّره أو إحصائه، بسبب انتشار الأسباب الّتي تغري بالفساد، وتيسّر سبل الفواحش والآثام؛ ومنها برامج الترفيه الماجن التي تبثّها بعض القنوات الفضائية؛ وهي في الواقع تروّج الإباحية والانحلال، وتزّين الرذيلة، وتباعد من الفضيلة؛ وهو ما تفعله الصورة المضلّلة والكلمة المضلّلة، التي تَقلب سلّم القيّم، فيصبح بتأثيرها المعروف منكرا والمنكر معروفا؛ وتجعل المستهدف من هذا المنتوج الإعلاميّ يعتاد المنكر، فتألفه نفسه، ويأنس به قلبه، وتصبح رؤية مظاهر التفسّخ والتحلّل من كلّ قيود أخلاقية أمرا مألوفا، وشيئا عاديا لا حرج منه، ولا حياء فيه”.
وأوضح أنّ “هذا ما يسعى له دعاة الإباحية والتغريب. يريدون القضاء على قيمنا الأخلاقية، وإحلال قيم هابطة محلّها. يريدون لمجتمعاتنا أن تكون نسخة من المجتمعات المنحلّة، حيث يُترك للناس الحبل على القارب، يعيشون كما يشتهون، بلا ضابط ولا زاجر، ومن غير وازع ولا رادع، باسم الحداثة، وشعار الحريات الشخصية، وسوء استعمال هذه الحرّيات المغشوشة، التي تردينا في المهالك، وتسلك بنا أسوأ المسالك”.
وقال عميد جامع الجزائر “إنّ دعائم المجتمعات المسلمة مهدّدة بالضياع والانهيار، إذا لم يأخذ أولياء الأمور على أيدي العابثين بقيم الأمّة، المفسدين لأخلاقها. فحين تنحسر القيم، ويتلاشى الدين من مظاهر الحياة، تضلّ الأقدام طريقها، وتنحرف النفوس عن غاياتها.. والأمّة لا تحفظ كيانها وتصون مقوّماتها، ولاتنال عزّتها وكرامتها بالانقياد وراء الملذّات، والإغراق في الشهوات.. والعزّة لا تكون أبدا في البعد عن الله، ومحآدة الله ورسوله، والجرأة على انتهاك حرماته وتعدّي حدوده”.
وتابع: إنّ من المسائل التي ينبغي أن نتناولها باستمرار، الأوضاع الاجتماعية المختلّة. من أجل معالجتها، دون استثناء. فالملاحظ في المجتمعات الإسلامية قلّة المناصحة، والتغاضي عمّا يعيشه المجتمع من قصور وخلل، إمّا لعدم إدراك ذلك القصور، أو الاعتقاد أنه شيء مقبول؛ أو من باب التستّر على العورات والعيوب، وعدم إبدائها والاعتراف بها أمام الخصوم. فإذا لم يبادر العلماء والدعاة بالكشف عمّا في مجتمعاتنا من خلل، ويسعوا إلى إصلاحه، وفق منهج الإسلام، فقد يستغلّه الأعداء لإحداث تغيير اجتماعي، بطريقة لا يرضاها الإسلام”.