Scroll Top

كلمة عميد جامع الجزائر في ذكرى تأسيس جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة السّيّد وزير الدولة، عميد جامع الجزائر

في الذكرى الأربعين لتأسيس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة.

يوم الثلاثاء 26 ربيع الآخر 1446ه، الموافق 29 أكتوبر 2024م.

يسعدني، في هذا اليوم المبارك، أن أقف بينكم، لنحتفي بالذكرى الأربعين لتأسيس   هذا الصرح العلمي الشامخ، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميّة، الّتي كانت، منذ إنشائها، وما زالت، منارة للعلم والمعرفة، ومعلما حضاريّا يجسّد منهج الإسلام، بوسطيّته وسماحة دعوته. وإنّنا نحمد الله عزّ وجلّ على أنّها تبوّأت مكانتها، بمنهجها الرصين،         وهي تخرّج أجيالا تحمل روح الإسلام، في صورته السمحة الحقيقيّة.

يطيب لي أن أتوجّه بهذه المناسبة، بأصدق التهاني والتبريكات، إلى أسرة الجامعة، من عمداء وأساتذة، وطلّاب، وإداريّين وعمّال؛ وإلى كلّ من أسهموا في عمارة هذا الصرح العلمي، وتطويره وترقيته، عبر العقود الماضية. فهم يستحقّون منّا كلّ التقدير والشكر على جهودهم التي بذلوها في خدمة هذه المنارة العلميّة، الّتي تشقّ طريقها بقوّة نحو غد مشرق بنور الإيمان، وسماحة الإسلام، وهداية الإحسان.

إنّه لمن طالع اليمن أن تتزامن هذه المناسبة مع حلول الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير المباركة. فمن أحسن الصدف أن تحيي جامعة الأمير ذكراها في وقت متميّز، فتلتقي الذكريان، وتجتمع المناسبتان: ذكرى الجهاد لتحرير الوطن؛ وذكرى العلم لتحرير العقول من الجهل والتخلّف والجمود.

تحضرني، في هذا المقام، ذكرى تلك الأيّام، الّتي عشناها في عهد التعليم الأصلي، حين كانت جامعة الأمير أملا، ثمّ كانت مشروعًا وورشة بناء كبرى تعجّ بالحركة الدؤوبة. كنّا نتابع، بكلّ شغف، عمارة هذا الصرح؛ وشهدنا كيف تحوّلت الفكرة إلى حقيقة؛ وتحوّلت الآمال إلى واقع ملموس. ولله الحمد والمنّة

تربطني بجامعة الأمير روابط من الماضي والحاضر، وتطلّعات نحو المستقبل. روابط روحية وعلمية، جمعتني بالرعيل الأوّل، الّذي أرسى قواعدها، وفي طليعتهم الشيخ محمّد الغزالي، رحمه الله، الذي أثرى الجامعة بعلمه وفكره. وقد قضى بين جدرانها سنوات من حياته الحافلة بالعطاء، ينشر العلم؛ ويبثّ روح الفهم الصحيح للدين؛ وهو الذي كان رمزا للفكر المستنير، ولمنهج الوسطية والاعتدال. جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي به عباده المحسنين.

أستذكر منهم أوّل مدير للجامعة، الأستاذ عمّار طالبي، حفظه الله، الحاضر بيننا اليوم؛ وقد قادها في مرحلة تأسيسها، بحكمة وإخلاص، وأسهم قي وضع اللّبنات الأولى لهذا الصرح؛ وترك أثرا طيّبا شهدناه، ويتذكّره الخرّيجون فيها، بتقدير وإكبار.

كما أتذكّر، الصديق الطبيب الكاتب الباحث الدكتور أحمد عروة، رحمه الله. وأذكر اليوم الإخوة الأحبّة، الذين تعاقبوا على إدارة الجامعة، الأفاضل: الأستاذ رابح، والأستاذ عبد الله، والأستاذ سعيد، حفظهم الله أجمعين.

أمّا التطلّعات نحو المستقبل، فرجاؤنا في الجامعة أن تضع في طليعة أهدافها حماية المجتمع والشباب خاصّة، من الانحرافات العقدية والفكرية والأخلاقية، وتوجيههم الوجهة الصحيحة، وفق المرجعية الدينية الوطنية؛ وتحصينهم من الأفكار الخاطئة والدعوات المشبوهة، والتيارات الدخيلة، وأخذهم بجدّ إلى العلم النافع، وهدايتهم إلى العمل الصالح.

رجاؤنا في الأجيال الّتي تتخرّج في جامعة الأمير أن يحملوا مشعل النهضة العلمية، ومشروع الدعوة الحقّة، على بيّنة من الله، وعلى تقوى من الله ورضوان؛ على غرار الأجيال الّتي سبقتهم؛ وهم يشكّلون نخبًا عالمة تفتخر بهم الجزائر، أثبتوا وجودهم بكفاءاتهم العالية، ودعوتهم المستقيمة، وأبحاثهم الجادّة، وحضورهم العلمي في المخابر البحثية والمحافل العلمية. داخل الجزائر وخارجها. والحمد لله، نحن نجد هذه النخب منتشرة في جامعاتنا، في ربوع الوطن، تعلّم الإسلام الصحيح، وتنشر الوعي، وتربط حاضر الأمّة بماضيها المجيد، وتاريخها العريق؛ ومنهم رجال راسخون في العلم يصدق فيهم، إن شاء الله، قول رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: “يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.

اسمحوا لي أن أتوجّه في الختام، إلى أبنائنا الطلبة والطالبات، بتوجيهات نابعة من قلب محبّ، يحبّ لكم التوفيق والسّداد، واطّراد النّجاح. أوصيكم بالحرص على طلب العلم، بجدّ واجتهاد. اجعلوا هدفكم تحصيل العلم، لا مجرّد تحصيل الشهادة. تمسّكوا بفكر الإسلام السويّ ومنهجه الوسطيّ؛ واستمسكوا بمرجعيّتنا الدينيّة الجامعة، الّتي كانت لنا، عبر الأجيال والعصور، حصانة ذاتيّة من الغلوّ في الدين؛ وتجنّبوا كلّ سبيل يفضي إلى التطرّف والانغلاق. كونوا سبل خير وسلام في محيطكم؛ واعملوا لتعزيز روح الأخوّة والتسامح في مجتمعكم.

اجعلوا من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميّة منارة علم وتنوير وتربية؛ تفتخر بها أمّتنا في الحواضر العلميّة والمحافل العالميّة.

والله وليّ الإعانة والتوفيق.

والحمد لله ربّ العالمين.