Scroll Top

خطبة الجمعة: وقولوا للنّاس حسنا

الخطبة الأولى

الحمدُ للّهِ رَبِّ العالمين، مَنَّ علينا بنعمَةِ البَيَانِ، وهَدَى إلى الجِنَانِ، فقال تعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: 1 ــ 4].

فنحمدُهُ تعالى على نعمَةِ الإسلَامِ والبَيَانِ، ونشكُرُهُ أن هَدَانَا للقرآنِ الكريمِ، ونتوبُ إليه ونستغفرُهُ، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنَا، ومن سيئَاتِ أعمالِنَا، من يهدِهِ اللّهُ فلا مُضَلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هَادِيَ له.

وأشهَدُ أن لا إله إلّا اللّهُ وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، يُحيي ويُمِيتُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، أمرَنَا بالتّقوى والقولِ الحَسَنِ فقال: ﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: 53].

وأشهدُ أنّ سيِّدَنَا محمَّدًا رسولُ اللهِ صلّى اللّه عليه وسلّم، أَمَرَنَا بالتّقوى وقولِ الكلمَةِ الطّيّبةِ فقال: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»؛ صلّى اللّه عليه وسلّم، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين إلى يومِ الدِّينِ.

أمّا بعد: فيا إخوةَ الإيمان: يقولُ البَارِي سبحانَهُ وتعالى في مُحْكَمِ التّنزيلِ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72].

وفي الآيَة تنويهٌ بخطورَةِ الأمانَةِ وأهميَّتِهَا وثقَلِهَا عند اللّهِ، فقد عرضَهَا على السَّمَاوَاتِ والأرضِ والجبالِ على عظمَتِهَا وسعَتِهَا، فَأَبَيْنَ أن يَحْمِلْنَهَا عِرْفَانًا بثقلِهَا وجلالَةِ شأنِهَا وحَمَلَهَا الإنسَانُ.

والأمانَةُ معنًى شَامِلٌ لجميعِ ما يتحمَّلُهُ الإنسَانُ في ذمّتِهِ من الأقوَالِ والأفعَال، وسيّاقُ الآيَةِ جاء في معرضِ الحديثِ عن الأمْرِ بالقولِ السّديدِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: 70]، فالظّاهِرُ من السِّيَاقِ أنّ الأمانَةَ الواردَةَ في الآيَةِ تخصُّ أمانَةَ الكلمَةِ والقولَ السّديدَ؛ ولا رَيْبَ أنّ الكَلَامَ والقولَ أمانَةٌ، وأيّ أمانَة، قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18]، فإمّا أن تقولَ كلمَةً طيّبَةً صادقَةً تُؤجَرُ عليها، وإمّا أن تقولَ زورًا أو تنصرَ باطلًا فتأثم وتوزر.

فما هو القولُ السّديدُ؟

القولُ السّديدُ ــ أيّها السّادَةُ الكرَامُ ــ كما بَيَّنَهُ أئمَّةُ التّفسير، هو الصَّوَابُ، والحَقُّ، والقولُ المستقيمُ الذي لا اعوجَاجَ فيه ولا انحرَافَ.

والأمرُ به في الآيَة جاء بعد الأمر بالتّقوى، وفي ذلك دلالَةٌ على أنّ مرتبَةَ الأمر فيه كمرتبَة الأمر بالتّقوى، من حيث درجتُهُ التي تقتضي الوجوبَ؛ وفيه بَيَانٌ أنّ القولَ السّديدَ من خصائص التّقوى ولوازمهَا؛ فمن اتَّقَى اللهَ تعالى لَزمَ الصَّمْتَ إلّا عن قولِ الحَقِّ والصَّوَابِ والسَّدَادِ، وهو ما دَلَّتْ عليه نصوصُ الشّريعَةِ كتابًا وسُنَّةً، ممّا سيأتي بيانُهُ.

أيّها الإخوة المؤمنون: إنّ من نِعَمِ اللّهِ على بني آدَمَ، نعمَةَ الكَلَامِ واللّسَانِ، قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: 1 ــ 4]، وهو ممّا ميّزَهُ اللّهُ به عن سَائِرِ المخلوقَاتِ، وفَضَّلَهُ به عليهم، قال تعالى في معرضِ الامتنَانِ على خَلْقِهِ وبيانِ نِعَمِهِ عليهم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22].

وقال أيضا: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ﴾ [البلد: 8 ــ 9].

وممّا اخْتُصَّ به عليه الصّلاةُ السّلامُ، فصاحَةُ اللّسَانِ وحُسْنُ البَيَانِ، وقد قال: «أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ».

ومن هنا جاءت نصوصُ الشّريعَةِ تبَيِّن أهميَّةَ الكلمَةِ وتأثيرَهَا؛ فالقرآنُ كَلَامُ اللّهِ تعالى أَحْسَنُ الحديثِ وأصدقُهُ، به يهتدي النَّاسُ، وهو كَلَامٌ، قال عَزَّ من قَائِلٍ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9].

 وقال أيضًا: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ [الزمر: 23].

وبَعَثَ أنبياءَهُ يهدون إلى الحَقِّ بألسنَةِ أقوامِهِمْ ولغاتِهِمْ، فقال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [الرعد: 4]، ولمّا كان أَدَاةَ الدّعوَةِ والإرشَادِ، أَمَرَ اللّهُ أن يكونَ بالرِّفْقِ واللِّينِ في الكَلَامِ، فقال تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44]، وأمر نبيَّه صلّى اللّه عليه وسلّم في خطابِ قَوْمِهِ من المشركين به فقال: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ﴾ [الزخرف: 89]، وامتدح القولَ السّديدَ في صفَاتِ عبادِهِ فقال: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63].

وجاء الأمرُ العَامُّ بالقولِ السّديدِ فقال سبحانَهُ: ﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: 53].

وامتدح الكلمَةَ الطيبَةَ فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [الرعد: 24 ــ 25].

ويقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ».

ويقول أيضًا صلّى اللّه عليه وسلّم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

والنّصوصُ في بَيَانِ فَضَائِلِ الكلمَةِ الطّيّبَةِ والقولِ السّديدِ أَرْبَى على الحَصْرِ.

وبالمقابِلِ من ذلك، شَنَّعَت الشّريعَةُ من شأنِ الكلمَةِ الخبيثَةِ والكَلَامِ السّيِّءِ واللَّغْوِ، وقولِ الزّورِ، والباطِلِ…، فقال تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ [الرعد: 26].

ونَهَى عن الزّورِ والكذِبِ في القولِ والبهتَانِ، فقال: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30].

وحَذَّرَ من نشرِ الإشاعَاتِ وترويجِهَا من دون تَثَبُّتٍ فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].

وفي حادثَةِ الإفكِ أنزلَ اللّهُ قرآنًا يُتْلَى، فيه تهديدٌ ووعيدٌ للمؤمنين بِسَبَبِ ترويجِ الأخبَارِ الكاذبَةِ، وما في ذلك من افترَاءٍ وتشويهٍ لسمعَةِ الشّرفَاءِ، فقال تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 14].

وأمّا الأحاديثُ في هذا البَابِ فكثيرَةٌ وافرَةٌ بحمدِ اللّهِ تعالى، منها قولُهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ لمعاذَ بن جبلٍ رضي اللّه عنه: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»

وقولُهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»

ومن أكبرِ الكبائِرِ في الإسلَامِ قولُ الزُّورِ، وشهادَةُ الزُّورِ، فضلًا عن سَبِّ الدِّينِ والنَّيْلِ من أعراضِ النَّاسِ.

كلُّ هذه النّصوصِ وغيرِهَا كثيرٌ تُشَدِّدُ على خطورَةِ الكلمَةِ التي يمكِنُ أن تُحْيِيَ، كما يمكنُهَا أن تقتُلَ وتُحْدِثَ فتنَةً، وتنشأ جَرَّاءَهَا عَدَاوَاتٌ وخصومَاتٌ، وقطيعَةٌ ومفاسِدُ عظيمَةٌ؛ وكُلُّ ذلك حاصِلٌ مشاهَدٌ ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه.

وفي عَالَمِ اليومِ ــ إخوَةَ الإيمانِ ــ نشهَد حربًا إعلاميَّةً، تَتَنَافَسُ فيها الأقلَامُ والصُّحُفُ والمواقِعُ والأمَمُ والجماعَاتُ، على توجيهِ النّاسِ واخترَاقِ عقولِهِم وتفتيتِ صفوفِهِم بما يُسمّى اليوم حرب العقولِ، والهَدَفُ صناعَةُ رأيٍ عَامٍّ من خلَالِ الكلمَةِ الموجّهَةِ والنَّشرِ والمشاركَةِ، بل هنالك منصَّاتٌ رائجَةٌ يتابعهَا ملايين البَشَر لا تَنشر إلّا النّصوصَ المقروءَةَ، يقفُ وراءَهَا رِجَالُ الفِكْرِ والسّياسَةِ لاستقطَابِ الرَأْيِ العَامِّ وتوجيهِهِ، وهي منصَّاتٌ غيرُ بريئَةٍ، أَدرَكَ مُنْشِؤوهَا أهميَّةَ الكلمَةِ ودورَهَا في التّوجيهِ والتّأثيرِ على عقولِ المتابعين؛ فَسَخَّرُوا أغلَبَ هذه المِنَصَّاتِ للتّرويجِ للرّذائِلِ والأكاذِيبِ والتّضلِيلِ عن الحقائِقِ وتشويهِهَا، فضلًا عن وسائِلِ الإعلَامِ المسموعَةِ والمقروءَةِ والمرئيَّةِ التي لا يخلو منها فَضَاءٌ عَامٌّ أو خَاصٌّ، وخطورتُهَا على المراهقين والشّبَابِ غيرِ المتحصِّنين بالعلمِ الصّحيحِ والإيمَانِ الرّاسِخِ وحبِّ الوَطَنِ، لا تَخفَى على ذي نَظَر؛ فلهذا كلِّهِ وَجَبَ علينا وعلى الفاعلين في مجتمَعِنَا من النُّخَبِ العلميَّةِ والمثقّفين؛ وضعُ الخُطَطِ والبرامِجِ واقتحَامُ المَجَالِ الرّقمِيِّ واستغلالُهُ؛ في مواجهَةِ هذه الثّورَةِ الرّقميَّةِ العاصفَةِ بعقولِ ابنائِنَا وأجيالِنَا، على الأقلِ للتّخفِيفِ من آثارِهَا السيّئَةِ على هوّيتِنَا وأخلاقِنَا، ونَشْرُ الوَعْيِ بخطورَةِ اقتحَامِ هذا المَجَالِ دون توجِيهٍ وإرشَادٍ من العارفين، قال تعالى : ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83].

وقال عليه الصّلاةُ والسّلامُ محذِّرًا من نشرِ أيِّ شيءٍ دون تثبُّتٍ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

والشّعَارُ الذي ينبغي أن يُرفَع على واجهَةِ كلِّ شاشَةٍ، هو قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70 ــ 71].

أقول قولي هذا واستغفرُ اللّهَ لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمدُ للّهِ ﴿الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: 25 ــ 26].

وأشهَدُ أن لا إله إلّا اللّهُ وحده لا شريك له، وأشهَدُ أنّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللّهمّ صَلِّ وسَلِّمْ عليه، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين؛ أمّا بعد:

إخوةَ الإيمان: قد عَلِمْنَا خطورَةَ الكلمَةِ، وفَضْلَ القولِ السّديدِ في الإسلَامِ، وأكْثَرُ ما ابتلينا به هو الكَلَامُ، فبه نتواصَلُ، وبه نعمَلُ ونتعلَّمُ وَنَتَقَاضَى، وبه تَتمُّ جلُّ العقودِ والمعاملَاتِ، ولهذا أُمرنَا أن نَرعَى ألسنتَنَا ونصونَهَا عن اللَّغَطِ والزَّلَلِ وكثرَةِ الثّرثرَةِ من غيرِ فائدَةٍ، قال عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ».

وقال أيضًا عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ، الثَّرْثَارُونَ، وَالمُتَشَدِّقُونَ، وَالمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ».

ونصيحتي لمُدْمِنِي مَوَاقِعِ التّواصُلِ، أن يتّقوا اللّهَ فيما ينشرون ويشاركون ويُرَوِّجُونَ، فما تنشرُهُ أو تُشَارِكُ به إمّا أن يكونَ في ميزَانِ حَسَنَاتِكَ، وإمّا أن يكون وِزْرًا تَجُرُّهُ على نفسِكِ، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: 24].

وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت: 20 ــ 21].

فَأَنَامِلُكَ التي تضغَطُ بها، ستنطِقُ بما رَوَّجتَهُ من خيرٍ وسَدَادٍ وحَقٍّ، أو ــ لا سَمَحَ اللّهُ ــ من باطِلٍ وفُحْشٍ وزُورٍ وبُهْتَانٍ، ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38].

الدّعاء.

للتصفح والتحميل:

جَامعُ الجزائر مركزٌ دينيّ، عِلميّ، ثقافيّ وسياحِيّ، يقعُ على تراب بلديّة المُحمَّديَّة بولاية الجزائر، وسط خليجها البحريّ. تبلغُ مساحته 300.000 متر مربّع، يضمّ مسجِدا ضخما للصّلاة، يسع لـ 32000 مصلٍ، وتصلُ طاقة استيعابِه إلى 120 ألف مصلٍ عند احتساب صحنه وباحَاته الخارجيّة.
قاعة الصّلاةِ وصحنها الفسـيح، جاءت في النّصوص القانونيّة المُنشِأة للجامع، تحتَ تسميةِ “الفضاء المسجدِيّ”.
ويضُمّ المجمّعُ هياكلَ أخرى ومرافقَ سُمّيت بالهَيئات المدمجة، ووجدت هـذه المرافق لتُساهم في ترسـيخِ قِيم الدّين الإسلاميّ من: قرآن منزّلٍ وسنّةِ مطهّرة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم، وكذا للحِفاظ على المرجعيّة الدّينيّة الوطنيّة، بما يخدُم مكتسبات الأمّة ويحقّق التّواصل مع الغير.
وجامع الجزائر هـو معلم حضاريّ، بِهندسته الفَريدة، التي زَاوجـت بين عراقة العِمارة الإسلاميّة بطَابعها المغَاربيّ الأندلسيّ، وآخِر ابْتكارات الهندسة والبِناء في العالم، حيث حقّق عدّةَ أرقامٍ قيَاسيةٍ عالميةٍ في البناء.
فمن حيث الأبْعادُ الهنْدسيةُ، يُعدّ الجامع بين المساجد الأكبر والأضْخَم عبر العالم، بل هو ثالث أكبرِ مسجدٍ في العالم بعد الحرَمين الشريفَين بمكة المُكرّمَة والمدينَةِ المنوّرَة، وهو أكبر مساجد أفْريقيا على الإطلاق، فمساحة قاعة صلاته تبلغ 22 ألف متر مربع، وقُطر قبته 50 مترا، وفُرِش بـ 27 ألف متر مربع من السجّاد الفاخر المصنوعِ محليّا، وتزيَّنت الحوافّ العلويّة لجدرانه بـ 6 آلاف متر من الزّخرفة بمختلف خطوط الكتابة العربيّة.