Scroll Top

خطبة الجمعة: التّحذير من التّبغ والمخدّرات

الخطبة الأولى

الحمدُ للَّهِ رَبِّ البريَّاتِ، أَحَلَّ لعبادِهِ الطّيّباتِ، وحَرَّمَ عليهم الخبائِثَ والمنكرَاتِ، أحمدُهُ سبحانه حمدًا كثيرًا ملءَ الأرضِ والسَّمَاوَاتِ، وأشهَدُ أن لا إله إلّا اللَّهُ وحده لا شريك له، أمرنا بحفْظِ الأبدَانِ والعقولِ شرعًا مؤكّدًا كأمرِهِ بحفْظِ الدِّينِ، وأشهَدُ أنّ محمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ، أفضلُ النّبيّين، وسيِّدُ المتّقين، حرص على صِحَّةِ الأجسَادِ؛ فَحَثَّنَا على سنَنِ الفطرَةِ والاقتدَاءِ بهديِ المرسلين، صَلِّ اللّهمّ وسَلِّم وبَارِكْ عليه وعلى آلِهِ وصحبِهِ وزوجِهِ، ومن اقتَفَى أَثَرَهُ واستَنَّ بسنّتِهِ إلى يومِ يبعثون، أَلَا واتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقوَى، فإنّ أجسادَكُمْ على النَّارِ لا تَقْوَى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 ــ 71]، أَلَا وإنّ أصْدَقَ الحَديثِ كتَابُ اللَّهِ تعالى، وخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمَّدٍ صلّى اللَّهُ عليه وسلّم، وشَرَّ الأمورِ محدثَاتُهَا، وكلَّ بدعَةٍ في النَّارِ، ــ أعَاذَنَا اللهُ وإيَّاكُمْ منها ــ أمّا بعد: فقد قال اللَّهُ تعالى في مُحْكَمِ التّنزِيلِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29].

    عبادَ الله: إنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ أرسَلَ الرُّسُلَ؛ وبعث الأنبيَاءَ، وأنزلَ الكُتُبَ والشّرائِعَ ليبيّنَ للنَّاسِ معالِمَ الهُدَى والدِّينِ، ويستبِينُوا صراطَهُ المستقِيمَ، وينهجُوا نهجَهُ القويمَ، فيسعَدُوا في الأولى، ويَنَالُوا الدَّرَجَاتِ العُلَى في جَنَّاتِ النَّعِيمِ، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

وإنّ من رحمَةِ اللَّهِ بالعبَادِ أن أمرهُم بما فيه صَلَاحُهُم ونفعُهُم في الدّارينِ، ونَهَاهُم عَمَّا فيه ضَرَرُهُم وأذيتُهُم، فقد ثَبَتَ عن المصطَفَى عليه الصّلاةُ والسّلامُ قولُهُ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، لذا قال علماؤُنَا: «حَيْثُمَا كَانَتْ المَصْلَحَةُ فَثَمَّ شَرْعُ اللَّهِ، وَحَيْثُمَا كَانَ شَرْعُ اللَّهِ ففيه المَصْلَحَةُ»، ولقد عُلِمَ من استقرَاءِ جميعِ الشَّرَائِعِ السّماويَّةِ والكُتُبِ الإلهيَّةِ بما لا يَدَعُ مَجَالا للرَّيبِ أنّها جاءت لتحفَظَ الكُلِّيَّاتِ الخَمْس: حفظ الأديان، وحفظ الأبدان، وحفظ العقول، وحفظ الأموال، وحفظ النّسل أو الأعراض.

قال صاحِبُ الجوهَرَةِ:

وَحِفْظُ دِينٍ ثُمَّ نَفْسٍ مَالْ نَسَبْ    وَمِثْلُهَا عَقْل وعِرْض قَدْ وَجَبْ

ولو وُقِفَ عند كُلِّ بَابٍ من هذه الأبوَابِ العظيمَةِ؛ لسُطِّرَتْ فيه مجلَّدَاتٌ وأَسْفَارٌ، ونكتفي بِطَرْقِ بَابٍ وَاحدٍ منها، يَتَعَلَّقُ بصحَّةِ الإنسَانَ، أَلَا وهو حِفْظُ الأبدَانِ والعُقُولِ.

أيّها الإخوة المؤمنون: إنّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ قد ائْتَمَنَ الإنْسَانَ على نفسِهِ التي بين جَنْبَيْهِ، فهي أَمَانَةٌ عظيمَةٌ استودَعَهُ إِيَّاهَا، يحاسِبُهُ عليها يومَ القيامَةِ حِسَابًا عَسِيرًا، كما جَاءَ في الأَثَرِ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ»، ومنها: «وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ»، ويخطِئُ كثيرٌ من النَّاسِ حينما يَظُنُّ بأنّ جَسَدَهُ أو روحَهُ مملوكتان له، فيتصرَّفُ فيهما كيفما شَاءَ، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) [الكهف: 5]، ولو كانت نَفْسُ الإنسَانِ ملكًا له، لَمَا حَرَّمَ اللهُ الانتحَارَ، فقد تَوَعَّدَ قَاتِلَ نفسِهِ متعمِّدًا بالنَّارِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها، جَاءَ في الأَثَرِ الصّحيحِ عند البخاريِّ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».

أمّةَ العقلِ والتّدبّرِ: إنّ المستقرِئَ لنُصُوصِ الشَّرْعِ يَجِدُهَا متظافِرَةً على الأَمْرِ بالمحَافَظَةِ على صِحَّةِ الأبْدَانِ والعُقُولِ؛ بالوقَايَةِ أَوَّلًا من كُلِّ ما من شَأْنِهِ أن يُشَكِّلَ خَطَرًا عليها كالأوبئَةِ والأمرَاضِ الفَتَّاكَةِ، وبالعِلَاجِ ثَانِيًا بعد وُقُوعِ البَلَاءِ، كما جَاءَ الحَدِيثُ عند ابنِ ماجه: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً، إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلَّا الْهَرَمَ»، فالصِّحَّةُ تَاجٌ فَوْقَ رؤوسِنَا ونعمَةٌ، تجب المحافَظَةُ عليها وُجُوبًا شرعيًّا، كما أمر بذلك رَبُّ الأرضِ والسَّمَاءِ.

أمّةَ الطّهارةِ والنّقاءِ: لقد ابتُلِيَتْ البشريَّةُ بأمراضٍ خطيرَةٍ، وأوبئَةٍ فتَّاكَةٍ، وآفاتٍ مُدَمِّرَةٍ، وحصرُهَا مُضْنٍ ومُتْعِبٌ، فضلًا عن تخصيصِ حديثٍ عن كُلِّ واحدَةٍ منها، ومن أَشَدِّ ما يفتِكُ بالإنسَانِ في عصرِنَا انتشَارُ آفَةِ التَّبْغِ وما يحومُ في فَلَكِهَا من مخَدِّرَاتٍ وحشيشٍ ومُهَلوَسَاتٍ، ممَّا نعْلَمُ وممَّا لَا نَعْلَمُ، وقد ألهمت البشريَّةُ في عصْرِ انتشَارِ الآفَاتِ أن تَدُقَّ نَاقُوسَ الخَطَرِ المحْدِقِ بها، فخَصَّصَتْ منظَّمةُ الصِّحَّةِ العالميَّةِ يوم الحادِي والثَّلاثين من شهرِ مايو يومًا عالمِيًّا للامتنَاعِ عن تَعَاطِي التَّبْغِ، وهي التِفَاتَةٌ طَيِّبَةٌ ينبغي الوُقُوفُ عندها مَلِيًّا، واستثمارُهَا فيما يَخْدُمُ صَالِحَ الإنسانيَّةِ.

أمّةَ القرآن: إذا حَرَّمَ كتَابُ رَبِّنَا عَزَّ وجَلَّ الخَمْرَ تحريمًا آكِدًا، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) [المائدة: 90 ــ 91]، وإذا لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها عَشْرًا: الخَمْرَ نَفْسَهَا، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيهَا، وَزَارِعَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ؛ فكيف بالتَّبْغِ والمخدِّرَاتِ والحشيشَةِ؛ التي فيها مَعنَى الإِسكَارِ الموجُودِ في الخَمْرِ، بل هي أَشَدُّ فَتْكًا وَأَكْثَرُ تخريبًا لوَظَائِفِ الجَسَدِ والعَقْلِ، ونتائجُهَا وخيمَةٌ على جميعِ الأصعدَةِ: نفسِيًّا وجسمِيًّا وعقلِيًّا ومالِيًّا ودينِيًّا واجتماعِيًّا واقتصادِيًّا، وَهَلُمَّ جَرًّا، ولا تحتَاجُ إلى تدليلٍ.

وإذا أردنا أن نُمَثِّلَ ببعْضِ آثَارِهَا الوخيمَةِ، فَسَلُوا مُتَعَاطِي الخَبَائِثِ ينبئُوكُمْ: كم أنفَقُوا على تَعَاطِيهِمْ هذا من أَمْوَالٍ ــ كان الأَحْرَى أن تُنْفَقَ في سُبُلِ الخَيْرِ ــ، ثم سَلُوا مجتمعَاتِنَا تجِبكُمْ بلسَانِ حَالِهَا عن فَدَاحَةِ نَتَائِجِهَا: كم من بيوتٍ خُرِّبَتْ؟ وكم من عَلَاقَات دُمِّرَتْ؟ وكم من أعرَاضٍ انْتُهِكَتْ؟ وكم من أَرْوَاحٍ أُزْهِقَتْ، وكم وكم؟ ناهيكَ عن الأذيَةِ التي تَلْحَقُ محيطَ المدخِّنِ بسبَبِ الرَوَائِحِ الكريهَةِ، وفَسَادِ الجوِّ من حولِهِ.

ولله دَرُّ شَاعِرِ العرَاقِ معروف الرُّصَافِي، وهو يَصِفُ لنا عَادَةَ تَعَاطِي التّبغِ وصفًا شنيعًا، يقبّحُهَا لكلِّ ذِي لُبٍّ:

كُلُّ ابْنِ آدَمَ مَقْهُــــــــورٌ بِعَـــــــــــــادَات     لَهُــــــنَّ يَنْقَــــادُ فِي كُلِّ الْإِرَادَاتِ

قَدْ يَسْتَلِذُّ الْفَتَى مَا اعْتَادَ مِنْ ضَرَرٍ    حَتَّى يَرَى فِي تَعَاطِيهِ الْمَسَرَّاتِ

وَلَا رَأَيْت سِيجَــــــــارَات يُدَخِّنُــــــهَا    قَوْمٌ بِوَقْتِ انْفِرَادٍ وَاجْتِمَاعَــــــاتِ

إِنَّ الدُخَـــــــانَ لَثَانٍ فِي الْبَــلَاءِ إِذَا     مَا عُدَّتِ الْخَمْرُ أُولَى فِي الْبَلِيَّاتِ

وَرُبَ بَيْضَاءَ قَيْدِ الْأُصْبُعِ احْتَرَقَتْ     فِي الْكَفِّ وَهِيَ احْتِرَاقٌ فِي الْحَشَاشَاتِ

إِنْ كَلَّفَتْنِي السُّكَارَى شُرْبَ خَمْرَتِهِمْ    شَرِبْتُ لَكِنْ دُخَانًا مِنْ سِيجَــــــــــــــارَاتِي

يَا مَنْ يُدَخِّــــــــــنُ مِثْلِي كُلَّ آوِنَـــــــــةٍ    لُمْنِي أَلُمْــــــكَ وَلَا تَرضَ اعْتِذَارَاتِي

إِنَّ الْعَوَائِـــــدَ كَالْأَغْلَالِ تَجْمَعُـــــــــــنَا    عَلَى قُلُـــــوبٍ لَنَا مِنْهُــــنَّ أَشْتَـــــــــــاتِ

وَرُبَّ شَنْعَاءَ مِن عَادَاتِنَا حَسُنَتْ    فِي زَعْمِنَا وَهِيَ مِنْ أَجْلَى الشَّنَاعَاتِ

لَو اسْتَطَعْتُ جَعَلْتُ التَّبْغَ مُحْتَكَرًا    فَوْقَ احْتِكَـــــارٍ لَهُ أَضْعَـــــافَ مَرَّاتِ

وَزِدْتُ أَضْعَافَ أَضْعَــــــافٍ ضَرِيبَتَهُ    حَتَّى يَبيعُـــــوهُ قِيـــــــــرَاطًا ببِــــــــــدْرَاتِ

   أقولُ ما تسمعُونَ، وأستغفِرُ اللهَ الحَلِيمَ العَظِيمَ لي ولكم، وَيَا فَوْزَ المستغفرِينَ، أستغفِرُ اللهَ.

الخطبة الثانية

الحمدُ للَّهِ وكَفَى، والصّلاةُ والسّلامُ على النَّبِيِّ المصْطَفَى، وعلى آلِهِ وصحبِهِ؛ ومَنْ بآثَارِهِ اقْتَفَى، وبعهْدِ اللَّهِ وَفَّى، وسَلَامٌ على عبادِهِ الذين اصْطَفَى، وبعد:

أمّةَ الإيمان: إنّ الوَاجِبَ على مجتمَعِ الطّهارَةِ؛ وأمَّةِ النَّقَاءِ؛ أن تَقِفَ وَقفَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ لمجابَهَةِ هذه الآفَةِ الفَتَّاكَةِ (تعاطِي الخبائِثِ)، ابتدَاءً من الأسرَةِ المُطَالَبَةِ بالتنشئَةِ الحسنَةِ للأبنَاءِ، والمراقبَةِ المستمِرَّةِ لحركاتِهِمْ وسكناتِهِمْ، مرورا بالمؤسَّسَاتِ التّربويَّةِ والتّعليميَّةِ والإعلاميَّةِ تحسيسًا بخطورتِهَا، وصولًا إلى دورِ المجتمَعِ في المحافَظَةِ على نظافَةِ المحِيطِ من كلِّ شائبَةٍ من شأنِهَا أن تدمِّرَ استقرَارَه، كما لا نَنسَى المنظومَةَ القانونيَّةَ التي يجب أن تُوَاكِبَ استفحَالَ هذه الآفَةِ؛ وخصوصًا من يُرَوِّجُونَ لها أفرَادًا أو جَمَاعَاتٍ؛ وأن تضرِبَ بيدٍ من حديدٍ، فإنّ اللَّهَ لَيَزَعُ بالسُّلْطَانِ ما لا يَزَعُ بالقرآنِ.

أحبتي في الله: أَلَا عَوْدًا إلى رحَابِ العِفَّةِ والطَّهَارَةِ وتعاليمِ الدِّينِ، وابتعَادًا عن كلِّ خبثٍ ورجسٍ وسلوكٍ مَشِينٍ، إذ الوَحْيُ هو الحِصْنُ الحصينُ، والتَّمَسُّكُ بهديِهِ سعادَةٌ في الدّارين، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 123 ــ 124]، ثمّ ضَعُوا أيدِيكُمْ في أيْدِي بعْضِكُمْ للحَدِّ من انتشَارِ هذه الآفَةِ، وكونوا عَوْنًا لإخوانِكُمْ الذين ابتلَاهُمْ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بها، فانغمَسُوا في وَحْلِهَا، ولِينُوا بأيدِيهِمْ، واعْبُرُوا بهم إلى شَاطِئِ العافيَةِ والسَّلَامَةِ، «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»، و «ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»، ذكّرُوهُمْ بمَخَاطِرِ تَعَاطِي المُحَرَّمَاتِ والخَبَائِثِ على النّفسِ والبَدَنِ والعقلِ والمَالِ والاقتصَادِ والفردِ والمجتمَعِ، ثمّ رغّبوهُمْ في الإقلَاعِ عن كُلِّ عَادَةٍ سيّئَةٍ، وخُلُقٍ دَنِيءٍ، واللَّهُ من وراءِ القصدِ، وهو يهدي سواءَ السّبيلِ.

عبادَ اللهِ إنّي دَاعٍ فَأَمِّنُوا:

اللّهمّ إنَّا نسألُكَ الهُدى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى.

اللّهمّ إنَّا نسألُكَ الإصلَاحَ في الوَلَدِ، والعافيَةَ في الجَسَدِ، والأَمْنَ في البَلَدِ.

اللّهمّ وَفّقْ أبناءَنَا وبناتِنَا في امتحانَاتِ شهادَةِ التّعليمِ المتوسِّطِ والبكالُورْيَا وفي جمِيع امتحانَاتِ نهايَةِ السّنَةِ الدّراسيَّةِ، وسَدِّدْ إجابَتَهُمْ، وأنزِلْ السّكينَةَ على قلوبِهِمْ، واعبر بهم إلى شَاطِئِ الأَمَانِ.

اللّهمّ انصر إخواننا في أرض الرّباط والاستشهاد غزّة العزّة، وفي كلّ فلسطين.

اللّهمّ سدِّدْ رميتَهُمْ، وأطعِمْ جائِعَهُمْ، واسترْ عَارِيَهُمْ، وأَمِّنْ خَائِفَهُمْ، وتَقَبَّلْ شهِيدَهُمْ، وأَنْزِلْ نصرَكَ المؤَزَّرَ المبِينَ عليهم عَاجِلًا غيرَ آجِلٍ.

اللّهمّ اجعَلْ بلدَنَا هذا آمِنًا مطمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وسَائِرَ بلَادِ المسلمين.

للتصفح والتحميل:

خطبة الجمعة: التحذير من التبغ والمخدرات

 

جَامعُ الجزائر مركزٌ دينيّ، عِلميّ، ثقافيّ وسياحِيّ، يقعُ على تراب بلديّة المُحمَّديَّة بولاية الجزائر، وسط خليجها البحريّ. تبلغُ مساحته 300.000 متر مربّع، يضمّ مسجِدا ضخما للصّلاة، يسع لـ 32000 مصلٍ، وتصلُ طاقة استيعابِه إلى 120 ألف مصلٍ عند احتساب صحنه وباحَاته الخارجيّة.
قاعة الصّلاةِ وصحنها الفسـيح، جاءت في النّصوص القانونيّة المُنشِأة للجامع، تحتَ تسميةِ “الفضاء المسجدِيّ”.
ويضُمّ المجمّعُ هياكلَ أخرى ومرافقَ سُمّيت بالهَيئات المدمجة، ووجدت هـذه المرافق لتُساهم في ترسـيخِ قِيم الدّين الإسلاميّ من: قرآن منزّلٍ وسنّةِ مطهّرة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم، وكذا للحِفاظ على المرجعيّة الدّينيّة الوطنيّة، بما يخدُم مكتسبات الأمّة ويحقّق التّواصل مع الغير.
وجامع الجزائر هـو معلم حضاريّ، بِهندسته الفَريدة، التي زَاوجـت بين عراقة العِمارة الإسلاميّة بطَابعها المغَاربيّ الأندلسيّ، وآخِر ابْتكارات الهندسة والبِناء في العالم، حيث حقّق عدّةَ أرقامٍ قيَاسيةٍ عالميةٍ في البناء.
فمن حيث الأبْعادُ الهنْدسيةُ، يُعدّ الجامع بين المساجد الأكبر والأضْخَم عبر العالم، بل هو ثالث أكبرِ مسجدٍ في العالم بعد الحرَمين الشريفَين بمكة المُكرّمَة والمدينَةِ المنوّرَة، وهو أكبر مساجد أفْريقيا على الإطلاق، فمساحة قاعة صلاته تبلغ 22 ألف متر مربع، وقُطر قبته 50 مترا، وفُرِش بـ 27 ألف متر مربع من السجّاد الفاخر المصنوعِ محليّا، وتزيَّنت الحوافّ العلويّة لجدرانه بـ 6 آلاف متر من الزّخرفة بمختلف خطوط الكتابة العربيّة.