Scroll Top

خطبة الجمعة: ذكرى نكبة فلسطين

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ تبارك وتعالى، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلّا اللهُ وحدهُ لا شريك له، نَصَرَ عبدَهُ، وأَعَزَّ جندَهُ، وهَزَمَ الأحزَابَ وحدَهُ، وأشهَدُ أنّ سيّدَنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، أرسلَهُ اللهُ تعالى بالهُدَى ودِينِ الحَقِّ، ليظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وكَفَى باللهِ شهِيدًا، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين إلى يومِ الدِّينِ؛ أمّا بعد..

أيّها الإخوة المؤمنون: هنالك صفحَاتٌ مشرِقَةٌ في تاريخِ أمّتِنَا مليئَةٌ بالانتصارَاتِ، تَدلّ على حيويّتِهَا وخلودِهَا، وهنالك صفحَاتٌ أخرى مظلمَةٌ، فيها أحدَاثٌ مؤلمَةٌ، تَدُلُّ على فترَاتِ الضّعفِ والهَوَانِ، ولا تخلو تلك المناسبَاتُ أو هذه عن الذِّكْرَى والتَّأَمُّلِ والعِبَرِ.

مرّت علينا في بحرِ هذا الأسبوعِ ذكرَى نَكبَةِ المسلمين في فلسطينَ، التي توافق الخامسَ عَشَرَ مايو من عَام ثمانيَة وأربعين وتسعمَائَة وألف، تذكّرنَا بأبشَعِ تهجِيرٍ قسريٍّ وعرقيٍّ في تاريخِ البشريَّةِ، وما زلنا منذ 74 عامًا من اغتصابِ أرضِ فلسطينَ الشّهيدَةِ، نتجرَّعُ آلَامَ النَّكْبَةِ وتبعاتِهَا.

أيّها الإخوة المؤمنون: إنّ فلسطينَ.. الأرضُ المقدّسَةُ، أرضُ الرّسالاتِ والنّبوَّاتِ، الأرضُ التي بَارَكَهَا اللهُ تعالى حيث قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإِسراء: 1]، وذُكرت في القرآنِ باسمِ الأرضِ المباركَةِ، وهي أوّلُ قِبلَةٍ للمسلمين، ومَسْرَى نبيِّنَا الأمينِ صلّى الله عليه وسلّم.

اسْتُلِبَتْ من المسلمين بقرَارٍ من وَعَدِ بلفورَ المشؤومِ، وبمباركةِ الدّولِ الكبرى واعترافِهَا، فمكَّنُوا لكيانٍ دخيلٍ في أقدسِ ثالثِ بقعَةِ في الأرضِ مع مكَّةَ والمدينَةِ، فكانت مسرحيَّةً عنوانُهَا مَنْحُ من لا يملِكُ ما لا يملِكُ لمن لا يستحِقُّ.

نقفُ إخوَةَ الإيمَانِ وقفَةً واعيَةً لرفْعِ الهِمَمِ وشَحْذِ العَزَائِمِ؛ وقفَةَ تَذَكُّرٍ لأوطانِنَا، وتَوَاصٍ بإعادتِهَا واستردادِهَا، يوصِي بذلك السَّابِقُ اللّاحِقَ حتّى ينشَأَ ذلك الجيلُ الذي يكتبُ اللهُ النَّصْرَ على يديْهِ … فلا ينبغي أن تموتَ هذه القضيَّةُ أو تُنْسَى، لأنّها قضيَّةُ كُلِّ مسلِمٍ، وليس كما يريدُهَا المستكبرون في الأرضِ أن تكونَ قضيَّةَ الفلسطينيين وحدهم.

إذ لَا بُدَّ أن تعَادَ القضيَّةُ إلى وعائِهَا الطّبيعيِّ، فهي أرضٌ إسلامِيَّةٌ ارتبطَتْ بدينِنَا وعقيدتِنَا؛ فهي الأرضُ التي رَحَلَ إليها سيّدُنَا إبراهيمُ عليه السّلامُ ــ من سَمَّانَا المسلمين ــ وعَاشَ بها ونَشَرَ فيها التّوحيدَ، وتوفِّيَ بها في الخليلِ؛ هي الأرضُ التي بَارَكَهَا اللهُ في قرآنِهِ، قال تعالى: (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [لأَنبِيَاء: 71].

وقال أيضًا: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً) [سَبَأ: 18].

وقال أيضًا: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) [المَائـِدَة: 21].

عبادَ الله: نتذكَّرُ هذه النّكبَةَ حتى نَتَوَاصَى بأنّ حَلَّ هذه القضيَّةِ لا يكون بالتَّنَازُلِ عن الأرضِ ولا بالتّطبيعِ والاستسلَامِ؛ لأنّ ذلك لن يَجُرَّ علينا إلّا الذُّلَّ والهَوَانَ، ولا تَزَالُ ثورَةُ الجزائِرِ مَضْرِبَ المثلِ في استرجاعِ الحقوقِ وتحريرِ الأوطانِ، فبعد أكثَرَ من قرنٍ وثلثِ قَرْنٍ، عادت الجزائرُ إلى حضنِ الإسلَامِ والعروبَةِ، بفضلِ الجهَادِ والمقاومَةِ التي هي خِيَارُ المظلومين والمستضعفين؛ وهي حَقٌّ مشروعٌ في كُلِّ الدّيانَاتِ السّماويَّةِ والقوانينِ الأرضيَّةِ، قال تعالى: (وَما لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) [البَقَرَةِ : 246]، وقال أيضًا: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحَج : 39].

نتذكَّرُ هذه المناسَبَةَ ونذكِّرُ بها، حتى نعرِفَ ويعرِفَ غيرُنَا أنّ هذه الأمَّةَ حَيَّةٌ، وسَتَظَلُّ حَيَّةً بَوَعْيِهَا ووحدَتِهَا وتضامُنِهَا، كما قال عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى»، وأنّ هذه الأمَّةَ ليست جبانَةً، فتاريخُهَا المشرِقُ يشهدُ أنّها أمَّةٌ لا ترضى الضَّيْمَ ولا الهَوَانَ؛ قد تَمُرُّ بها فَتَرَاتُ ضَعْفٍ، لكن إذا هَبَّتْ ريحُ الإيمَانِ فلن تَقِفَ أَمَامَ عَزْمِ رجالِهَا الجبَالُ الرّواسِي، ولسوف يأتي اللهُ بأولئك القومِ الذين يحبُّهُمْ ويحبُّونَهُ، سيخرُجُ ذلك الجيلُ الفريدُ كما خرج جيلُ نوفمبَرَ من الكَتَاتِيبِ والمَسَاجِدِ والزَّوَايَا والمَدَارِسِ القرآنيَّةِ والكَشَّافَةِ الإسلَامِيَّةِ، يهتِفُ بسمِ اللهِ، واللهُ أكبرُ.

أمّةَ النّصرِ: نتذكَّرُ لِئَلَّا نيأَسَ من نصرِ اللهِ ومن روحِهِ، بسبَبِ قسوَةِ الأحدَاثِ ومَرَارَتِهَا وتأخَّرِ النّصرِ، فلقد قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البَقَرَةِ: 214].

إنّ النّصرَ يحتَاجُ إلى إعدَادِ النّفسِ القويَّةِ بإيمانِهَا، العزيزَةِ بإسلامِهَا، قال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الرُّوم: 47]، ثمّ ما تَيَسَّرَ من أسبَابِ القوَّةِ الماديَّةِ، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) [لأَنفَال: 60].

ونحن نتعلَّمُ من هذه الأحدَاثِ، أنّ أمّتَنَا أمَّةُ القوَّةِ، وأفضَلُ القوَّةِ قوَّةُ الإيمَانِ والعزيمَةِ، قال تعالى: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146]، وقد عَلَّمَنَا رسولُنَا صلّى الله عليه وسلّم أن نكونَ أقويَاءَ، يقول عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ»، وقال: «وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ».

إخوةَ الإيمانِ: نَقِفُ اليومَ على أعتَابِ هذه الذّكرَى المؤلمَةِ، وقد قَدَّمَ الفلسطينيون قَوَافِلَ من الشّهدَاءِ، ولا يَزَالُ حَمَّامُ الدَّمِ يَتَفَجَّرُ في كلِّ يومٍ في أرضِ فلسطينَ، بآلَةِ القتلِ الهمجيَّةِ الغاشمَةِ، التي لا ترقُبُ في أهلِنَا ذِمَّةً ولا دِينًا ولا شريعَةً سماويَّةً ولا أرضيَّةً، بأموَالِ الدُّوَلِ المستكبرَةِ وتغطيَّةٍ إعلاميَّةٍ مضلِّلةٍ، تُدينُ الضّحيَّةَ وتَتَعَاطَفُ مع المجرمين الغاصبين، وتبرِّرُ مجازرَهُمْ وتُغضِي عن بَشَاعَاتِهِمْ..

ها هي قضيَّةُ فلسطين اليومَ بعد هذا النّضَالِ الطّويلِ، تحقِّقُ انتصارَاتٍ مهمَّةً، عَقَدِيًّا، وإعلَامِيًّا، وسياسِيًّا، بسببِ طوفَانِ الأقصَى المبَارَكِ، فها هي الشّعوبُ الحُرَّةُ تكتشِفُ الحقيقَةَ المغيَّبَةَ في الإعلَامِ الغربِيِّ المُضَلِّلِ، وتستفِيقُ على كارِثَةٍ إنسانِيَّةٍ حقيقِيَّةٍ، وإبادَةٍ جماعِيَّةٍ ممنهجَةٍ؛ وتتّخِذُ موقِفًا مشرِّفًا يفضَحُ به سياسَاتِ حكوماتِهَا المتواطئَةِ.

وبفضلِ طوفَانِ الأقصى وصُمُودِ الشّعبِ الفلسطينيِّ وأهلِ غَزَّةَ خصوصًا، وجهودِ الدّولَةِ الجزائريَّةِ ودعمِهَا، حصلت فلسطينُ على تأييدِ أغلَبِ دُوَلِ العَالَمِ، لتَنَالَ العضويَّةَ الكاملَةَ في الهيئَةِ الأمميَّةِ.

وهذا مكسَبٌ مهمٌّ للقضيَّةِ، وانتصَارٌ باهِرٌ يزعِج الصهاينَةَ وأعوانَهم وأولياءَهم، وهو مؤَشِّر على تراجع العنجهيَّةِ والاستكبَارِ الصهيونِيِّ والغربِيِّ، ممّا سيفضي بإذنِ اللهِ تعالى الى نيلِ الشّعبِ الفلسطينيِ حقَّهُ في إقامَةِ دولتِهِ المستقلَّةِ كاملَة السّيادَة، وعاصمتُهَا القدسُ الشّريفُ؛ ويومئذ يفرَحُ المؤمنون بنصرِ اللهِ، وما ذلك على الله بعزيزٍ.

الخطبة الثانية

بعد الحمدِ والثّناءِ على اللهِ.

ستحلُّ بنا بعد يومين ذِكْرَى يومِ الطَّالِبِ، وهي المناسبَةُ التي تذكِّرُنَا بموقِفِ الطّلبَةِ الجزائريين التّاريخي، حيث قرّروا من خلالِهِ الالتحَاقَ بالثّورَةِ في 19 مايو 1956، وكان ذلك انتصَارًا آخَرَ للثّورَةِ، بانضمَامِ شريحَةٍ مثقَّفَةٍ من المجتمَعِ، وإضافَةً نوعيَّةً في مسارِهَا، وقد اثْبَتَ الطَّلَبَةُ من خلَالِ هذا الموقِفِ المُشَرِّفِ، أنّ رسالَةَ الطّالِبِ هي أن يعيشَ آلَامَ أمّتِهِ وآمَالَهَا، وتسكُنَ في أعماقِهِ همومُهَا، ويُسْهِمَ في صناعَةِ حاضِرِهَا ومستقبلِهَا، وأنّ العلمَ قوّةٌ لا تقلُّ أهميَّةً عن السّلَاحِ في معركَةِ الاستقلَالِ، بل هو أَمضَى منه، لأنّه نقيضُ مرَادِ المستدمِرِ الذي حرصَ منذ أن وطئَتْ أقدامُهُ الآثمَةُ هذه الأرضَ، أن يحول بين الجزائريين وبين العلمِ ووسائلِهِ، واعِيًا بخطورَةِ العلمِ والعلمَاءِ على مشروعِهِ الظَّلَامِيِّ، فضلًا عن دورِهِ في معركَةِ بنَاءِ الإنسَانِ والدّولَةِ بعد الاستقلَالِ.

قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].

وهي رسالَةٌ أخرى إلى طَلَبَةِ العلمِ اليومَ من خلَالِ هذه الذّكرى تتناقلُهَا الأجيَالُ، ومدلولُهَا أن يَنْخَرِطَ الطُّلَّابُ دومًا في مشروعِ الأمَّةِ، والإسهام في بنَاءِ حاضرِهَا ومستقبلِهَا بالعلومِ والمَعَارِفِ، ومجارَاةِ حركَةِ العلمِ السّريعَةِ، لنحرِزَ نصرًا آخرَ في معركَةِ النّهضَةِ والخروجِ من التّبعيَّةِ التّقنيَّةِ، والالتحَاق بالعالَمِ الأَوَّلِ، بالعِلْمِ والعمَلِ المقترِنِ بالإيمَانِ المهتَدِي بالعلمِ.

أيّها الأخوة المؤمنون: نَتَرَحَّمُ على أروَاحِ أبنائِنَا الخمسَةِ الذين قضوا في المنتزَهِ في بَحْرِ الأسبوعِ الماضي، ونسأَلُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يتغمَّدَ أرواحَهُمْ البريئَةَ بواسِعِ رحمتِهِ، وأن يجعلَهُمْ ذُخْرًا لوالدِيهِمْ، وأن يُلْهِمَ ذويهِمْ وأهلَهُمْ الصّبْرَ والسّلوَانَ.

عبادَ الله: إنّ الآجَالَ بيدِ اللهِ، يرسلُهَا إلى أجلِهَا المقدورِ، ولن تموتَ نفسٌ حتى تستوفِي أَجَلَهَا، وما كان لنفسٍ أن تموتَ إلّا بإذنِ اللهِ كِتَابًا مؤجَّلًا، ومن المعلومِ أنّ ثَمَّةَ قدرًا محتومًا لا يمكِنُ أن يتلافاه الإنسانُ، أو ينجُو منه، وهناك قضاءٌ معلّقٌ بكسبِ الإنسَانِ وتَسَبُّبِهِ، مثل أن يخاطِرَ بحياتِهِ وحَيَاةِ الآخرين، أكان ذلك باستعمَالِ السُّرعَةِ المفرطَةِ أم باستعمَالِ السِّلَاحِ في مَكَانٍ عَامٍّ، فإذا تَرَتَّبَ عليه قَتْلٌ لا سَمَحَ اللهُ، فيتحمَّلُ فاعلُهُ تبعاتٍ شرعيَّةً كحصولِ الإثمِ، وتبعَاتٍ قانونيَّةً، وهذا من شأنِ القَضَاءِ، والواجِبُ علينا أن نعمَلَ دون هَوَادَةٍ لكي لا تتكرّر مثل هذه الحَوَادِثِ الأليمَةِ.

ونحن مقبلُون على موسِمِ الاصطيافِ، يجبُ اتّخاذُ كُلِّ التّدابيرِ اللّازمةِ لحفظِ النّفسِ، إذ هو مقصدٌ شرعيٌّ.

أسأَلُ اللهَ سبحانَهُ وتعالى أن تكونَ هذه الحادِثَةُ آخِرَ الأحزَانِ، وتكون لنا فيها العِبَرُ والدُّرُوسُ، يقول سبحانه وتعالى: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 5].

الدّعاء.

للتصفح والتحميل:

خطبة الجمعة: ذكرى نكبة فلسطين

 

جَامعُ الجزائر مركزٌ دينيّ، عِلميّ، ثقافيّ وسياحِيّ، يقعُ على تراب بلديّة المُحمَّديَّة بولاية الجزائر، وسط خليجها البحريّ. تبلغُ مساحته 300.000 متر مربّع، يضمّ مسجِدا ضخما للصّلاة، يسع لـ 32000 مصلٍ، وتصلُ طاقة استيعابِه إلى 120 ألف مصلٍ عند احتساب صحنه وباحَاته الخارجيّة.
قاعة الصّلاةِ وصحنها الفسـيح، جاءت في النّصوص القانونيّة المُنشِأة للجامع، تحتَ تسميةِ “الفضاء المسجدِيّ”.
ويضُمّ المجمّعُ هياكلَ أخرى ومرافقَ سُمّيت بالهَيئات المدمجة، ووجدت هـذه المرافق لتُساهم في ترسـيخِ قِيم الدّين الإسلاميّ من: قرآن منزّلٍ وسنّةِ مطهّرة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم، وكذا للحِفاظ على المرجعيّة الدّينيّة الوطنيّة، بما يخدُم مكتسبات الأمّة ويحقّق التّواصل مع الغير.
وجامع الجزائر هـو معلم حضاريّ، بِهندسته الفَريدة، التي زَاوجـت بين عراقة العِمارة الإسلاميّة بطَابعها المغَاربيّ الأندلسيّ، وآخِر ابْتكارات الهندسة والبِناء في العالم، حيث حقّق عدّةَ أرقامٍ قيَاسيةٍ عالميةٍ في البناء.
فمن حيث الأبْعادُ الهنْدسيةُ، يُعدّ الجامع بين المساجد الأكبر والأضْخَم عبر العالم، بل هو ثالث أكبرِ مسجدٍ في العالم بعد الحرَمين الشريفَين بمكة المُكرّمَة والمدينَةِ المنوّرَة، وهو أكبر مساجد أفْريقيا على الإطلاق، فمساحة قاعة صلاته تبلغ 22 ألف متر مربع، وقُطر قبته 50 مترا، وفُرِش بـ 27 ألف متر مربع من السجّاد الفاخر المصنوعِ محليّا، وتزيَّنت الحوافّ العلويّة لجدرانه بـ 6 آلاف متر من الزّخرفة بمختلف خطوط الكتابة العربيّة.