Scroll Top

خطبة الجمعة: يوم العلم

يوم العلم

الخطبة الأولى

الحمدُ لله الذي عَلَّمَ بالقلمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ ما لم يعلم، وأشهدُ أن لا إله إلّا اللهُ وحده لا شريك له، وَصَفَ نفسَهُ بالعلمِ وشَرَّفَ أهلَهُ، فقال جلّ من قائلٍ: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].

وأشهدُ أنّ سيّدَنَا محمّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، علّمهُ ربُّهُ فقال: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء: 113]، وأَمَرَهُ بالاستزادَةِ من العلْمِ فقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114].

وحَثَّنَا نبيُّنَا على العلمِ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ»، صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين إلى يومِ الدّينِ.

أمّا بعد، فيا أيّها الإخوة المؤمنون: إنّ من فضائِلِ الأمَّةِ الجزائريَّةِ المتميّزَةِ، أنّها جعلت للعلمِ يومًا تحتفي فيه بالعلمِ والعلماءِ؛ ونتذاكَرُ فيه ــ معاشر الجزائريين ــ عَلَاقَتَنَا بالعلمِ واحتفاءَنَا به، في الوقتِ الذي تحتفي فيه أممٌ أخرى بالرّذائِلِ، حيث جعلوا للكذِبِ ــ الذي هو من أشنعِهَا ــ عِيدًا يُشيعونَهُ فيه، ويفرحون بما أَتَوْا، فبيس ما يفعلون…

ولا غَرْوَ؛ فنحن بفضلِ اللهِ أُمَّةُ الفَضَائِلِ، نحتفي بها، ونَتَوَاصَى بإرساخِهَا في واقعِنَا وفي شَتَّى مجالاتِ حياتِنَا.

عبادَ الله: إنّ العلمَ صِفَةٌ من صفَاتِ اللهِ تعالى، اشتق له منه أسماءَهُ الحُسْنَى، فاللهُ عَالِمٌ وعَلِيمٌ وعَلَّامٌ، وأولى آيَاتِ القرآنِ نزلت على قلبِ رسولِنَا صلّى الله عليه وسلّم تحثُّ على القراءَةِ؛ وهي وسيلَةُ العلمِ الأولى، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق: 1 ــ 2].

وفَضَّلَ اللهُ آدَمَ عليه السّلامُ على الملائكَةِ بالعلمِ، فَأَسْجَدَهُمْ له تكريمًا.

وجعل سبيلَ خشيتِهِ العلْمَ فقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].

وميراثُ الأنبيَاءِ العلمُ، يرثُهُ العلمَاءُ، قال عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ»، والنّصوصُ في هذا كثيرَةٌ وافرَةٌ، وبهذه المعاني زاخرَةٌ.

وقد تعلمون، عبادَ اللهِ، من تاريخِ أمّتِنَا المجيدِ، أنّ أسلافَنَا ما سَادُوا ولا انتصَرُوا ولا حَكَمُوا الدُّنْيَا ولا عَزُّوا، إلّا حينما كان للعلْمِ مَكَانَةٌ مكينَةٌ، وعندما حُظِيَ العلماءُ بما يجبُ لهم من حَقٍّ ومَكَانَةٍ؛ فالعلمَاءُ كانوا وما يزالون قَادَةَ قَاطِرَةِ الإصلاحِ في الأمَّةِ، والعِلْمُ كان وسيظَلُّ مَنَارَ الأُمَّةِ إذا ادْلَهَمَّتْ الظّلمَاتُ، وسيبقى سبيلَ نهضتِهَا المنشودَةِ، بحولِ اللهِ.

وهذا كلُّهُ وغيرُهُ، ينبغي أن يَظَلَّ حَاضِرًا في وَعْيِنَا وَوَعْيِ أجيَالِ الأمَّةِ، وعلينا أن نستذكرَهُ في هذه المناسبَةِ  وطول السَّنَةِ  قولًا وعملًا.

أيّها الإخوة المؤمنون: اختارت بلادُنَا أن يرتبِطَ يومُ العلمِ بذكرى العَلَّامَةِ الشّيخِ عبدِ الحميدِ بنِ باديس رحمه الله تعالى، ليكونَ يومَ حيَاةٍ للأمَّةِ، يستمِرُّ ذكرُهُ، ويُخَلَّدُ اسمُهُ، وتَظَلَّ رسالتُهُ حاضرَةً تتلقَّاهَا الأجيَالُ، ونداؤُهُ فينا يتردَّدُ عبر الزَّمَانِ:

يَا نَشْءُ أَنْتَ رَجَاؤنَا    وَبِكَ الصَّبَاحُ قَدِ اقْتَرَبْ

خُذْ لِلْحَيَاةِ سِلَاحَهَا    وَخُضِ الْخُطُوبَ وَلَا تَهَبْ

إنّ مذاكرَةَ حَيَاةِ العلمَاءِ والصّالحين تُحيي القلوبَ؛ وتشحَذُ الهِمَمَ، وقد وَرَدَ في الأَثَرِ: «مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا، فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ».

وحَيَاةُ الشّيخِ الرّئيسِ ابنِ باديسَ وتجربتُهُ الإصلاحيَّةُ  ثريَّةٌ وملهمَةٌ؛ فقد حَصَّلَ رحمه الله تعالى العلمَ من معينِهِ الصَّافِي، من أفوَاهِ العلمَاءِ الرّبانيين، ورأى أنّ العلمَ هو روحُ الأمَّةِ وحياتُهَا؛ فَكَرَّسَ له حياتَهُ، ووقتَهُ، وجهدَهُ، وَزَهَدَ في زخارفِ الحَيَاةِ التي أُلقِيتَ بين يديهِ، ليتفرَّغَ لواجبِ التّعليمِ والتّبليغِ، كما كتبه الله على العلماءِ؛  فوصل بياضَ نهارِهِ بسوادِ ليلِهِ، مدرّسًا ومعلّمًا، ومربّيًا ومؤدّبًا، وجَابَ البلادَ مؤسّسًا الجمعياتِ والمجلّاتِ والجرائِدَ والمدارسَ، دون تعبٍ أو مللٍ، كانت غايتُهُ ساميَةً؛ فكان الرّجُلَ العظيمَ للرّسَالَةِ العظيمَةِ، لذلك ما كان يشعُرُ بالنَّصَبِ الّذي يصيبُ عمومَ النَّاسِ.

وهكذا انقضت عشرون عَامًا عن وَفَاتِهِ، حتى تحرّرت الجزائر من الاحتلالِ البغيضِ، إثر ثورة كان ابتدأها على الجهلِ، وانتهت بثورَةٍ مباركَةٍ عارمَةٍ على الظّلمِ والظّلامِ، فكان النّصرُ ولله المِنَّةُ والحمدُ.

والسّؤالُ ــ إخوةَ الإيمان ــ: ما العلْمُ الّذي كان يحرصُ على نشرِهِ رحمه الله؟

لقد كانت الأمّةُ يومئذٍ في صِرَاعٍ محتدِمٍ مع مستدمِرٍ حاقِدٍ؛ أراد مَسْخَ هويَّة المجتمع؛ وفصلَهُ عن ماضيه، وقَطْعَ صلتِهِ بدينِهِ وتراثِهِ؛ فكان الواجبُ الأوّلُ هو تكثيفَ الجهدِ لتحصينِ الهُوِيَّةِ وإرساخِ أركانِهَا في نفوسِ الأجيالِ، حتى تستعصيَ على المسخِ والذّوبانِ، سلاحه المضّاء في ذلك: العلم والتّعليم، كما يقول رحمه الله: «فإنَّنَا اخترنَا الخطَّةَ الدّينيَّةَ على غيرها، عن علمٍ وبصيرَةٍ، وتَمَسَّكْنَا بما هو مناسب لفطرتِنَا وتربيتِنَا، من النّصحِ والإرشادِ، وبثِ الخيرِ، والثّباتِ على وجهٍ واحدٍ، والسّيرِ على خطٍّ مستقيمٍ، وما كنّا لنجِدَ هذا كُلَّهُ إلّا فيما تفرَّغْنَا له من خدمَةِ العلمِ والدّينِ».

حقًّا: إنّ بناءَ الإنسانِ الصّالحِ على العلمِ والإيمَانِ، هو حجرُ الزّاويَةِ في أيِّ مشروعٍ إصلاحيٍّ واعدٍ.

وقد صدق إذ قال المعلم: «لن يصلحَ المسلمون حتى يصلح علماؤُهُمْ، فإنّما العلمَاءُ من الأمَّةِ بمثابةِ القلبِ، إذا صلح صلح الجسدُ كُلُّهُ، وإذا فسد فسد الجسدُ كُلُّهُ، وصلاحُ المسلمين إنّما هو بفقهِهِمْ الإسلام، وعملِهِمْ به، وإنّما يصل إليهم هذا على يَدِ علمائِهِمْ ….، ولن يصلُحَ العلمَاءُ إلّا إذا صَلَحَ تعليمُهُمْ».

كان شعارُهُ رحمه الله: «الإسلامُ دينُنَا، والعربيَّةُ لغتُنَا، والجزائِرُ وطنُنَا».. وقد استلهم بيانُ أوّلِ نوفمبر هذا الشّعارَ، وكُرِّسَ في دستورِ الجزائِرِ المستقلّةِ؛ وعبَّر عنه بقصيدتِهِ الخالدَةِ:

شَعْـبُ الْجَـزَائرِ مُـسْـلِـمٌ     وَإِلَى الْعُـرُوبَةِ يَـنْتَـسِـبْ

مَنْ قَــالَ حَـادَ عَنْ أَصْلِـهِ     أَوْ قَــالَ مَـاتَ فَقَدْ كَـذبْ

أيّها الإخوة المؤمنون: في واقعنا اليوم، ما هو العِلْمُ الذي نحتَاجُ إليه؟

إنّ عالمَ اليومِ تحكُمُهُ قُوًى كانت تحتَلُّ بلادَنَا وبلادَ المسلمين بالأمسِ، والعولمَةُ هي سلاحُهَا الجديدُ لبسطِ هيمنتِهَا، وفرضِ ثقافتِهَا على شعوبنَا، والقضاءِ على خصوصياتِ الأممِ والمجتمعاتِ، من خلالِ نشرِ ثقافَةِ الانفتاحِ غير الواعي وازدراءِ الأديانِ، والتّقليلِ من شأنِ القِيَمِ، وإفسادِ الأخلاقِ، وإضعافِ شعورِ الفردِ المسلِمِ بانتمائِهِ الحضارِيِّ، وولائِهِ لبلدِهِ ودينِهِ، انتهَاءً بالتّطبيعِ مع حَيَاةِ الإباحيَّةِ والذوبَانِ في ثقافَةِ المتغلِّبِ.

إنّ العلمَ الّذي نحتَاجُ إليه هو الّذي يشدُّنَا الى أصولِنَا وتاريخِنَا المجيدِ، ويبعث فينا الوعيَ بتميُّزِنَا وبهوّيتِنَا، وتراثِنَا الزّاخِرِ وأخلاقِنَا الكريمَةِ، نحتَاجُ إلى العلمِ الّذي يفتَح بصائرَنَا على حقائق الوجودِ، ويبثّ فينا الوَعْيَ بحقيقَةِ ذواتِنَا، ورسالتِنَا في الحَيَاةِ، وبمصيرِنَا ومستقبلِنَا القرِيبِ والبَعِيدِ.

نحتاجُ إلى العلمِ الّذي نستغلُّ به ما سخّرَهُ اللهُ لنا في أكوانِهِ، لنصنع قُوّتَنَا، فنأكُلَ ممّا نزرعُ، ونلبسَ ممّا نصنعُ، ونعفَّ أنفسَنَا عن الحاجَةِ إلى من يستغلُّنَا، وقد يستهدفُ مصالِحَنَا.

وها هنا نجد أنفسَنَا متقاربين بل متوافقين مع الأهدَاف ذَاتهَا الّتي سَعَى إليها الأستَاذُ عبدُ الحميدِ بنُ باديس؛ فإنّ معركَتَنَا مع الجهلِ والتّخلّفِ، ومع الأفكارِ المضلِّلةِ والهدّامةِ التي تخترق عقولَنَا وعقولَ أبنائِنَا من خلالِ وسائلِ الإعلامِ، ووسائِطِ التّواصُلِ الاجتماعِيِّ، هي المعركَةُ ذَاتُهَا التي خَاضَهَا الإمامُ الشّيخُ ولم تنتهِ بَعْدُ…

فطريقُنَا وَاحِدٌ، وهدفُنَا وَاحِدٌ؛ وقافلَةُ الإصلَاح ماضيَةٌ حتّى يأتي أَمْرُ اللهِ.

هَذَا لَكُمْ عَـهْــدِي بِــــــــــهِ      حَتَّى أُوَسَّــدَ فِي الـتُّـرَبْ
فَـإِذَا هَلَكْتُ فَصَيْـحَـتِـي     تَحْيَا الْجَـزَائِـرُ وَالْـعَـرَبْ

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

أيّها الإخوة المؤمنون: إنَّ الحاصِلَ من  هذا كُلِّهِ؛ أنّ النّهضَةَ والحضارَةَ والمدنيَّةَ في تاريخِ أمّتِنَا القرِيبِ والبعيدِ قَادَهَا العلمَاءُ، وأنّ الأمَّةَ حين انقادَتْ للعلمَاءِ صنعُوا نهضتَهَا، وشَادُوا حضارَتَهَا، وحَقَّقُوا الانتصَارَاتِ العظيمَةَ؛ فأهلُ العلم هم قَادَةُ سفينَةِ الحيَاةِ، يسلكون بها سُبَلَ النّجَاةِ؛ وهذا ما يصوّرُهُ القرآنُ الكريمُ حين يقصُّ علينا قصَّةَ سيّدِنَا يوسف عليه السلام، قال تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55]، وتَسَلَّمَ الحفيظُ العليمُ القيادَةَ، فَجَنَّبَ قومَهُ كارثَةً  كَادَتْ تَحِلُّ بدارِهِمْ.

إخوة الايمان: سيحدثُ التّغييرُ، وتنهَضُ الأمّةُ، يوم يعُودُ للعلمَاءِ دورهُمْ، ومن خصائصِ أمّتِنَا أنّها لا تنهضُ إلّا بالعلمِ؛ وأنّها ما تخلّفت إلاّ حين وَهَتْ صلتُهَا بالعلومِ والمعارِفِ، أو استعمَلَتْهَا على نحوٍ غيرِ صحيحٍ.

ويسعى القائمون على جامعِ الجَزَائِرِ العَامِرِ، أن يكون منارَةً للعلمِ، تستنيرُ به الجزائرُ ومن حولَهَا. سيكون ــ بإذن الله ــ حلقَةً في سلسلةٍ متّصلةٍ برسالةِ أسلافِنا، لاستكمَالِ مسيرَةِ النّهضَةِ الشّاملَةِ.

ونبشّركم أنّه بمناسبَةِ إحيَاءِ يومِ العلمِ لهذا العَامِّ، قد تَمَّ بحمدِ اللهِ تعالى إهدَاءُ مكتبَةِ الشّيخِ ابنِ باديس رحمه الله، هِبَةً من ورثتِهِ، لتكون وَقْفًا على جامِعِ الجزائِرِ، تشرِيفًا لهذا الصّرحِ الدّينيِّ، ببركَةِ عِلْمِ الشّيخِ وآثارِهِ؛ ولا يخفى عليكم ــ عبادَ الله ــ ما في هذا الحَدَثِ الكَبيِرِ الجَلِيلِ من رمزيَّةٍ بليغةٍ؛ تشي بأنّ مسيرَةَ الإصلاحِ التي ابتدأها ابنُ باديس تَحُطُّ رحالَهَا بجامعِ الجزائِرِ لتُوَاصِلَ الطّريقَ من هذا الصّرحِ المنيفِ، بروحٍ متجدّدَةٍ، تصلُ الحاضرَ بالماضَي والمستقبلِ، برعايَةٍ من حملوا مشعَلًا سيظَلُّ متّقدًا فوق هذه الأرضِ، بعونِ اللهِ وحُسْنِ توفيقِهِ.

الدّعاء.

للتصفح والتحميل:

خطبة الجمعة: يوم العلم

 

جَامعُ الجزائر مركزٌ دينيّ، عِلميّ، ثقافيّ وسياحِيّ، يقعُ على تراب بلديّة المُحمَّديَّة بولاية الجزائر، وسط خليجها البحريّ. تبلغُ مساحته 300.000 متر مربّع، يضمّ مسجِدا ضخما للصّلاة، يسع لـ 32000 مصلٍ، وتصلُ طاقة استيعابِه إلى 120 ألف مصلٍ عند احتساب صحنه وباحَاته الخارجيّة.
قاعة الصّلاةِ وصحنها الفسـيح، جاءت في النّصوص القانونيّة المُنشِأة للجامع، تحتَ تسميةِ “الفضاء المسجدِيّ”.
ويضُمّ المجمّعُ هياكلَ أخرى ومرافقَ سُمّيت بالهَيئات المدمجة، ووجدت هـذه المرافق لتُساهم في ترسـيخِ قِيم الدّين الإسلاميّ من: قرآن منزّلٍ وسنّةِ مطهّرة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم، وكذا للحِفاظ على المرجعيّة الدّينيّة الوطنيّة، بما يخدُم مكتسبات الأمّة ويحقّق التّواصل مع الغير.
وجامع الجزائر هـو معلم حضاريّ، بِهندسته الفَريدة، التي زَاوجـت بين عراقة العِمارة الإسلاميّة بطَابعها المغَاربيّ الأندلسيّ، وآخِر ابْتكارات الهندسة والبِناء في العالم، حيث حقّق عدّةَ أرقامٍ قيَاسيةٍ عالميةٍ في البناء.
فمن حيث الأبْعادُ الهنْدسيةُ، يُعدّ الجامع بين المساجد الأكبر والأضْخَم عبر العالم، بل هو ثالث أكبرِ مسجدٍ في العالم بعد الحرَمين الشريفَين بمكة المُكرّمَة والمدينَةِ المنوّرَة، وهو أكبر مساجد أفْريقيا على الإطلاق، فمساحة قاعة صلاته تبلغ 22 ألف متر مربع، وقُطر قبته 50 مترا، وفُرِش بـ 27 ألف متر مربع من السجّاد الفاخر المصنوعِ محليّا، وتزيَّنت الحوافّ العلويّة لجدرانه بـ 6 آلاف متر من الزّخرفة بمختلف خطوط الكتابة العربيّة.