الخطبة الأولى
الحمدُ للّهِ الذي بحمدِهِ يُسْتَفْتَحُ كُلُّ خِطَّابٍ، ويُنْعَمُ بتسبيحِهِ وتعظيمِهِ أهلُّ السَّعَادَةِ في دَارِ الجَزَاءِ والثَّوَابِ؛ سبحَانَ اللهِ الغفورِ الرَّحيمِ التَوَّابِ، أحمدُهُ حَمْدَ الّذين صَفَتْ سرائِرُهُمْ بمحبَّتِهِ، وأشرقَتْ في قلوبِهِمْ أنوارُ معرفَتِهِ، وتَقَرَّبُوا لبسَاطِ مجدِهِ وعزّتِهِ، وأَشْكُرُهُ شُكْرًا يَفِي بجلَائِلِ نعمتِهِ، ويُوجِبُ مضاعفَةَ إفضَالِهِ وكَرَامَتِهِ، فهو الحَقِيقُ بالشّكْرِ الكَامِلِ، وأهلٌ للعَوَارِفِ والفَضْلِ الشَّامِلِ.
وأشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللّهُ وحده لا شريكَ له، شَهَادَةً هي مفتَاحُ البَابِ في دَارِ الثَّوَابِ، وموجبَةُ الكَرَامَةِ ورَفْعِ الحِجَابِ؛ اللّهمّ كما وفّقتَنَا للشَّهَادَةِ قَوْلًا وعقيدَةً، فاجعلها اللّهمّ خَاتِمَتَنَا في الدّنيَا، وَوَفِّقْنَا إلى المَنَاهِجِ الرّشيدَةِ؛ اللّهمّ آمِنَّا بها يومَ الفَزَعِ الأكبَرِ، والْطُفْ بنا بفضلِهَا يومَ الحِسَابِ والمحشَرِ.
وأشهَدُ أنّ سَيِّدَنَا ونَبِيَّنَا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، نبيٌّ أَضَاءَ العَالَمَ بنورِ طَلْعَتِهِ؛ وضَمِنَ السَّعَادَةَ والأَمْنَ لمن اهْتَدَى بشريعَتِهِ، وعَمِلَ بوَضَّاحِ سُنَّتِهِ؛ وقد صَلَحَتْ النُّفُوسُ بأسوَتِهِ، ونعمَتْ القُلُوبُ بمحبَّتِهِ.
اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدِنَا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطيّبين الطّاهرين، وسَائِرِ صَحَابَتِهِ والتّابعين، صَلَاةً دائمَةً إلى يومِ الدّينِ، متمشِّيَةً نَامِيَةً إلى أَبَدِ الآبدين.
أمّا بعد؛ فيا أيّها الإخوة المؤمنون: نحن على مقرُبَةٍ من مولِدِ النُّورِ الّذي أَضَاءَ الكائنَاتِ، وسعدَتْ ببعثَتِهِ الأرضُ والسَّمَاوَاتُ، ففي شهرِ ربِيعِ الأنوَارِ، وُلِدَ النبيُّ المصطفى المختَارُ، عليه الصّلاةُ والسّلامُ، ما تَعَاقَبَ اللّيلُ والنّهَارُ؛ وقد كان مولدُهُ بدايَةَ التّفضُّلِ الإلهيِّ على البشريَّةِ، ومِنَّةَ اللّهِ الكبرى على الأمَّةِ المحمّديَّةِ، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران: 164]، وأيّة مِنَّةٍ أعظمُ من العنايَةِ الإلهيَّةِ، تتوجَّهُ إلى الإنسَانِ، لتخرجَهُ من الظّلمَاتِ إلى النُّورِ، ومن الشَّكِّ إلى اليقينِ، ومن الكفرِ إلى الإيمَانِ، مع ما في الإنسَانِ من جَهْلٍ وطغيَانٍ، وكَلَفٍ بالجَدَلِ والخِصَامِ، ومع هذا فرحمَةُ اللّهِ تَوَجَّهَتْ إلى النّاسِ أجمعين، بواسطَةِ نبيِّهِ الكريمِ؛ الّذي أرسلَهُ اللّهُ رحمَةً للعالمين، اصطفَاهُ من خَلْقِهِ، وشرَّفَهُ فآوَاهُ في يُتْمِهِ؛ وأغنى قلبَهُ وعقلَهُ بجلَالِهِ وكَرَمِهِ؛ وحَمَّلَهُ في الأربعين أمانَةَ التّبلِيغِ لكلمَتِهِ ووحيِهِ.
إنّ الحديثَ عن رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم، حديثٌ لا يُمَلُّ، مهما يطل أو يتكرَّرُ، «وَمَا أَحلَى مَذَاقَ الشَّهْدِ وَهُوَ مُكَرَّرٌ».
والذّكرى تَدَبُّرٌ واعتبَارٌ، وهي لا تثمِرُ ثمرتَهَا ولا تُحَقِّقُ فائدتَهَا إلّا إذا أوجدت في نفسِ الإنسَانِ ما يدفَعُ به إلى هُدًى، أو يصدُّهُ عن رَدًى، ولذلك جاء قولُهُ تعالى في القرآنِ الكريمِ: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55].
والحديثُ عن صَاحِبِ الرّسالَةِ قد مَلَأَ الدّنيا وشَغَلَ النّاسَ، منذ حَمَلَ أعبَاءَ الرّسالَةِ، وحُقَّ له ذلك، إنّه حديثٌ عن مَكَارِمِ الأخلَاقِ في أَسْمَى معانِيهَا، وعن الأسوَةِ الحَسَنَةِ في أطهَرِ مجالِيهَا؛ وجديرٌ بذكرَاهُ أن تكونَ حَيَّةً في نفسِ كُلِّ مؤمِنٍ، لا تبرَحُ عقلَهُ وقلبَهُ، ولا تغيبُ عن خَاطِرِهِ، في كُلِّ وقتٍ وحينٍ.
إخوةَ الإيمان: لقد اعتَادَ المسلمون على إحيَاءِ ذِكْرَى المولِدِ النّبوِيِّ الشّرِيفِ؛ والاحتفَالُ به صلّى اللّه عليه وسلّم، لا ينبغي أن يكونَ مُتَكَلَّفًا أو مُصْطَنَعًا، لا يليقُ بالنّفعِ الدّافِقِ السَّارِي من نورِهِ؛ ولا يتلاءَمُ مع الرّسالَةِ التي بُعِثَ بها لإخرَاجِ النّاسِ من ظلمَاتِ الشّركِ إلى أنوَارِ التّوحيدِ.
لقد أعادت رسالتُهُ للفطرَةِ شفافيّتَهَا، وأزالت ما تَرَاكَمَ عليها من صَدَأِ الباطِلِ وظَلَامِ الجهلِ والوثنيّةِ والضَّلَالِ؛ وغَيَّرَتْ دعوتُهُ مَجْرَى الحَيَاةِ الإنسانيَّةِ كُلِّهَا، فقد أَثَّرَ في أهلِ ملّتِهِ وأتبَاعِ شريعتِهِ، كما أَثَّرَ في خُصُومِ الحَقِّ وأحلَافِ الضَّلَالَةِ؛ وإذا كانت ذِكْرَى مَوْلِدِ صَاحِبِ الرّسالَةِ عليه الصّلاةُ والسّلامُ، مُنَاسَبَةً للتعرُّفِ على سيرتِهِ الكريمَةِ، والاهتدَاءِ بأنوارِهَا، فذلك هو التّوفِيقُ في القصدِ، والعمل الصّواب.
إنّنا في مثلِ هذه المناسَبَةِ، مدعوّون إلى أن نَتَأَمَّلَ في وَضِيءِ سيرتِهِ، لنقتبِسَ منها ما نداوي به نُفُوسًا طَالَ أَمَدُ مرضِهَا، وعَزَائمَ تَرَاخَتْ وفَقَدَتْ صَلَابَتَهَا ومَضَاءَهَا، وأذوَاقًا أفسدَتْهَا تُخْمَةُ النّعيمِ المادِيِّ، حتّى ننهَضَ بِثِقَلِ المسؤوليَّةِ الملقَاةِ على عاتِقِنَا في تقدِيمِ دِينِ الإسلَامِ للبشرِيَّةِ، بصورتِهِ النّاصِعَةِ، وقِيَمِهِ السَّامِيَةِ، وفي سَمَاحَةِ دعوتِهِ، وكَمَالِ شريعتِهِ.
إنّ فئَاتٍ من المنتسبين الى الإسلَامِ يقدّمون أسوَأَ صورَةٍ عن النّبيِّ الكريمِ، وينفِّرون بسلوكِهِمْ في احتفالَاتِهِمْ بمواسمِهِمْ وأعيادِهِمْ، وفي حياتِهِمْ العاديَّةِ؛ وبذلك يحرمون النَّاسَ من نورِ الهدايَةِ المحمّديَّةِ، وَيَحُولُونَ بينها وبين الانتشَارِ في المجتمعَاتِ البشريَّةِ.
أيّها الإخوة المؤمنون: ولمّا كان النّبيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم، هو المُنْبِئُ عن كلمَةِ اللّهِ، الموضِّحُ لوحيِهِ، الحَامِلُ لهدايَتِهِ، كان حبُّهُ أصلًا من أصولِ الإيمَانِ، لا يَنْفَكُّ عن حُبِّ اللّهِ؛ ولا يؤمِنُ أَحَدٌ حتّى يكونَ حبُّهُ للّهِ وحبُّهُ لرسولِهِ حُبًّا راسِخًا في النّفسِ، مُتَمَكِّنًا في شِعَابِهَا؛ إنّه لا يؤمِنُ أَحَدٌ حتّى يكونَ رسولُ اللّهِ أحبَّ إليه من نفسِهِ التي بين جَنْبَيْهِ، ومن أهلِهِ ومَالِهِ والنَّاسِ أجمعين؛ وإنّما يصدُقُ حُبُّهُ في اتّباعِ شريعتِهِ، والذَّوْدِ عن مِلَّتِهِ، والنُّصْحِ لأمّتِهِ، والسّعْيِ لتطبيقِ ما جاء به عن رَبِّهِ، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24]، هذا كَلَامُ اللّهِ، يَدْعُو نبيَّهُ أن يُعلِنَ هذه الحقيقَةِ: إنّه الاختبَارُ الفَاصِلُ بين خيطِ الإيمَانِ وما يتبعُهُ من ثَوَابٍ ووعدٍ بالتّكريمِ، وبين الكُفْرِ وما يَتْبَعُهُ من المَهَانَةِ وسُوءِ المصيرِ، والاختيَارُ في الاختبَارِ الذي يتعرَّضُ له كُلُّ إنسَانٍ في مَجَالِ الحَيَاةِ.
والإيمَانُ لشرفِهِ العظيمِ، لا يقبَلُ أن يخالِطَهُ غير مَادَّتِهِ، فإمّا إيمَانٌ، وإمّا كفرٌ، فقد يَتَعَارَضُ حُبُّ اللّهِ وحُبُّ رسولِهِ مع عَلَاقَةِ القَرَابَةِ، في عَلَاقَةِ الوَالدِ بوَلَدِهِ، وفي عَلَاقَةِ الوَلَدِ بالوَالِدِ، أو في عَلَاقَةِ الزّوجَةِ بزوجِهَا، أو في عَلَاقَةِ الإنسَانِ بأهلِهِ ووطنِهِ، فهي فِتَنٌ يَتَعَرَّضُ لها الإنسَانُ؛ يدعُوهُ إيمانُهُ إلى مَوَاقِفَ، وتدعُوهُ عاطفَةُ القَرَابَةِ إلى مَوَاقِفَ؛ فأيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟
وفي مَجَالِ الاختيَارِ، ليس هناك حَلٌّ وَسَطٌ؛ فإمّا حُبٌّ للّهِ ولرسولِهِ، وإمّا حُبُّ القَرَابَةِ أو الزّوجِ أو العشيرَةِ أو الوَطَنِ، أو الجَاهِ والسّلطَانِ، إنّ حُبَّ اللّهِ وحُبَّ رسولِهِ مقدّمان على كُلِّ شيءٍ من الأهْلِ والمَالِ والتّجارَةِ، والمسكَنِ الّذي يبنِيهِ الإنسَانُ، أو الّذي يريدُ أن يملكَهُ، ومَنْ ضَعُفَ في مَجَالِ الاختيَارِ، فآثَرَ غيرَ اللّهِ ورسولِهِ، فالوعيدُ هو الهَلَاكُ والخسرَانُ، كذلك قال اللّهُ جَلَّ في عُلَاهُ: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24].
إخوةَ الإيمان: إنّ المؤمِنَ إذا ما أَحَبَّ اللّهَ ورسولَهُ حُبًّا صَادِقًا، فمعنى ذلك أنّ نظرتَهُ للوجودِ أصبحَتْ نظرَةً لا تخضَعُ للأهوَاءِ والشّهوَاتِ، ولكنّها ترتفِعُ إلى مَرَاتِبِ السُّمُوِّ والكَمَالِ، وتخضَعُ للمُثُلِ العُلْيَا والقِيَمِ السّاميَةِ.
كما أنّ محبَّةَ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم، هي مفتَاحُ الجَنَّةِ، وموجبَةُ السَّعَادَةِ الأبديَّةِ، رَوَى البخاريُّ عن سيِّدِنَا أنسٍ رضي اللّه عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».
فانظروا ــ رَحِمَكُمْ اللّهُ ــ إلى هذا الأَدَبِ الرَّفِيعِ والهدايَةِ النّبويَّةِ، يسأَلُ الرَّجُلُ عن يومِ القيامَةِ، ولَمَّا كان ذلك اليوم هو يوم الجَزَاءِ العَادلِ، ويجيبُ الرَّجلُ أنّه لم يقدِّمْ عَمَلًا كبيرًا، وأنّه لا يَرَى في ميزَانِ حسنَاتِهِ ما يطمئِنُهُ على مصيرِهِ، إلّا شيئًا وَاحِدًا، أَدرَكَ بفطرتِهِ أنّه عزيزٌ، وأنّه توفِيقٌ من اللّهِ، ذلك أنّه لَمَّا شَرَحَ اللّهُ صدرَهُ لحُبِّهِ وحُبِّ نبيِّهِ، فهو على نُورٍ من ربِّهِ.
ويجيبُ الرّسولُ الكريمُ هذا السَّائِلَ مبشِّرًا بِوَعِدٍ مُؤَكَّدٍ لأهلِ مَحَبَّتِهِ من المؤمنين: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، والمَرْءُ يُحْشَرُ مع مَنْ أَحَبَّ.
فإلى ربِّنَا جَلَّ في عُلَاهُ، نتوجَّهُ في ذِكْرَى مَوْلِدِهِ: أن يَفْتَحَ قُلُوبَنَا لاتّبَاعِ شريعَتِهِ، وأن يُعِينَنَا على العَمَلِ لما يُصْلِحُ لنا الحَالَ والمَآلَ، ولما هو أقوم في الحَاضِرِ والمَعَادِ، وأن يهيِّئَ لنا من أَمْرِنَا رَشَدًا، ويجعَلَ بعد عُسْرِنَا يُسْرًا، ومن ضِيقِنَا فَرَجًا ومَخْرَجًا.
اللّهم إنّا آمَنَّا به صلّى اللّه عليه وسلّم ولم نَرَهُ، فأكرمْنَا في الدّارين برؤيَتِهِ، وأَحْيِنَا على سُنَّتِهِ ومحبَّتِهِ، وتَوَفَّنَا على مِلَّتِهِ وطَاعَتِهِ، واحشرْنَا تحت لِوَائِهِ وفي زُمْرَتِهِ، واسْقِنَا من يَدِهِ الشّريفَةِ شَرْبَةً هنيئَةً مريئَةً لا نظمَأُ بعدها أَبَدًا، حتّى تدخلَنَا جَنَّاتَكَ، جَنَّاتِ النّعيم.
هذا، وإنّ الكَلَامَ الجَامِعَ والقوْلَ الفَصْلَ كَلَامُ ربِّنَا العزيزِ العَلَّامِ، الهَادِي إلى سبيلِ السَّلَامِ، أعوذُ باللّهِ من الشّيطَانِ الرَّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) [الأحزاب: 45 ــ 47].
نفعني اللّهُ وإيّاكم بالقرآنِ العَظِيمِ، وبَارَكَ لنا بالآيَاتِ والذِّكْرِ الحَكِيمِ.
اللّهمّ ارْفَعنَا وانْفَعْنَا بالقرآنِ العَظيمِ، واهدنَا به صِرَاطَكَ المستَقِيمَ.
أقول قولي هذا وأستغفِرُ اللّهَ لي ولكم، ولوالدِيَّ ووالديكم ولجميعِ المسلمين، فاستغفرُوهُ إنّه هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا باللّهِ العلِيِّ العَظِيمِ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للّهِ عَزَّ وجَلَّ، هو القَائِمُ على كُلِّ نَفْسٍ بما كسبت، والمؤاخِذُ لكُلِّ يَدٍ بما اجْتَرَحَتْ، وأشهَدُ أن لا إله إلّا اللّهُ وحده لا شريك له، هو وَلِيُّ النِّعْمَةِ والتّوفيقِ، وأشهَدُ أنّ سيِّدَنَا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، كَاشِفُ الغُمَّةِ، وهادَي الأُمَّةِ إلى أقومِ طريقٍ، صلّى اللّهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين، والتّابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّينِ؛ أمّا بعد؛
فيا أيّها الإخوة المؤمنون: لقد كانت دعوتُهُ صلّى اللّهُ عليه وسلّم شاملَةً تهدي إلى أيسَرِ سبيلٍ، وتُعْنَى بجمِيعِ جَوَانِبِ الحَيَاةِ، وتُؤَسِّسُ لبنَاءِ دولَةٍ قويَّةٍ تلتزِمُ بمبدَأِ الشُّورَى الّذي جاء به الإسلَامُ، كما في قولِهِ تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [الشورى: 38]، وفي خطابِهِ لرسولِهِ الكريمِ، بقولِهِ سبحانه: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران: 159].
لقد أَرْسَى الإسلَامُ قواعِدَ الشُّورَى؛ واستَجَابَ السَّلَف الصَّالِح في صدرِ الإسلَامِ لهذا التّوجِيهِ الرّبّانِيِّ الحكيمِ، فَطَبَّقُوا مبادءَهَا في مُخْتَلِفِ شُؤُونِهِمْ، وفتحوا البَابَ في المُشَاورَةِ لكُلِّ قَادِرٍ عليها، والّذين تختارُهُمْ الأُمَّةُ ليَكُونُوا قَادَةً لها، مُمَثِّلِينَ لإرادتِهَا، يصبحون أُمَنَاءَ على حُقُوقِهَا، حُرَّاسًا على مُقَوِّمَاتِهَا، والإسلَامُ بمنهجِهِ القويمِ، يَعْتَبِرُ من يَنْهَضُ في الأُمَّهِ بتبعَةٍ أو مسؤولِيَّةٍ في طليعَةِ هُدَاتِهَا وأوّل رُعَاتِهَا؛ وتعَدُّ التَّبِعَاتُ المُلْقَاةُ على عاتِقِهِ أَمَانَةً بين يَدَيْهِ، عليه أن يَرعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، ويصونَهَا حَقَّ صيانَتِهَا، فاللّهُ تبارك وتعالى يقول: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: 58].
إنّ من واجِبِنَا، نحن المسلمين، أن نَنْعَمَ بثمرَاتِ هذه المبادِئِ الحكيمَةِ التي دَعَا إليها دِينُنَا الحنيفُ، حتّى نُسْهِمَ معًا في بنَاءِ مجتمعِنَا على رَكَائِزَ سليمَةٍ وأُسُسٍ متينَةٍ، واللّهُ جَلَّ في عُلَاهُ، يُبَارِكُ كُلَّ يَدٍ تعمَلُ وتَبْنِي، وكُلَّ لسَانٍ ينطِقُ بخيرٍ أو يدعو إلى هُدًى، وكُلَّ عَقْلٍ يستقيمُ به التّفكِيرُ، ويصلُحُ بمنهجِهِ التّخطِيطُ والتّدبِيرُ.
إنّ من مَظَاهِرِ النِّظَامِ في شِرْعَةِ الإسلَامِ، أنّه جَعَلَ في كُلِّ جَمَاعَةٍ من الأُمَّةِ قَائِدًا يرعَاهَا، يعمَلُ لخيرِهَا، ويسهَرُ على مَصَالِحِهَا؛ والوِلَايَةُ على الأُمَّةِ أعظَمُ المَنَاصِبِ في رعايَةِ الحُقُوقِ والواجبَاتِ، بالأَمَانَةِ والعَدْلِ؛ ونحن مدعوّون يَوْمَ غَدٍ ــ بإذن اللّهِ ــ إلى استحقَاقٍ وَطَنِيٍّ، يَتَزَامَنُ مع حُلُولِ شهرِ الأنوَارِ الذي يذكِّرُنَا باستلهَامِ الدُّرُوسِ من سيرَةِ النّبيِّ المصطَفَى صلّى اللّه عليه وسلّم، في تَمْتِينِ البِنَاءِ الاجتمَاعِيِّ، وإرسَاءِ دعائِمِهِ على عقيدَةِ الإيمَانِ، وركيزَةِ التَّعَاونِ والتَّضَامُنِ، في ظلَالِ أخوَّةِ الإسلَامِ.
إنّ الأَسَاسَ المتينَ للمجتمَعِ الفَاضِلِ، هو أن يكون فيه وَلِيُّ الأمرِ الصَّالِحِ، والأُمَّةِ الواعيَةِ المخلصَةِ، ومن صَلَاحِ الرَّاعِي وإخلَاصِ الرّعيَّةِ، تنبثِقُ أضوَاءُ الخيرِ والسّعادَةِ للجميعِ، وهذا يستلزِمُ أن تكونَ الأمَّةُ راشِدَةً متَّحدَةً، تتبادَلُ فيما بينها المُشَاوَرَةَ والمُنَاصَحَةَ، حتّى تُحَقِّقَ ما أرشَدَ إليه صَاحِبُ الرّسالَةِ، في قولِهِ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ».
كما يستلزِمُ أن يُحِسَّ كُلُّ مسؤولٍ عن التَّبِعَاتِ بأنّه لَبِنَةٌ في بنَاءٍ، وجُزْءٌ من كُلٍّ، وفَرْدٌ في مَجْمُوعٍ، يَشعُرُ بشُعُورِ الجَمَاعَةِ، ويَتَجَاوَبُ معها، ويعنى بشؤونِهَا، لأنّه منها وبها وإليها؛ وحين تختَارُ الأمَّةُ أوليَاءَ أمورِهَا بمَحضِ إرَادَتهَا وخَالِصِ رغبتِهَا، تكون قد سَلَكَتْ سبيلًا نحوَ التّعبيرِ عن رأيِهَا والتّوطِيدِ لبنائِهَا، والتّثبيتِ لكيانِهَا، وبذلك تنعقِدُ البيعَةُ لوَلِيِّ الأمْرِ؛ وتَتِمُّ بالرِّضَا والاختيَارِ؛ لأنّ أَمْرَ المسلمين يقومُ على التَّشَاوُرِ والتَّنَاصُحِ، ومن مَعَانِي البيعَةِ إعطَاءُ العهدِ الاختيارِيِّ على الالتزَامِ بحقِّهَا، ومن فضائِلِهَا انخرَاطُ الأُمَّةِ الجماعِيِّ في اختيَارِ من تَرَاهُ أصلَحَ لولايَةِ أَمْرِهَا، والتفافِهَا حول قيادتِهَا، المؤهَّلَةِ لإدارَةِ شؤونِهَا.
إخوةَ الإيمان: إنّ الإسلَامَ الذي أكمَلَ اللّهُ به الدِّينَ، يعلِّمُ أتبَاعَهُ أن يكُونُوا متعاونينَ متضامنينَ، يضَعُ كُلٌّ منهُمْ يَدَهُ في يَدِ أخيهِ، بإخلَاصٍ وأَمَانَةٍ، فيمضون في سبيلِ الحَقِّ والخيرِ والإصلَاحِ، بلا تَقَاعُسٍ أو سلبيَّةٍ، لأنّ دينَهُمْ يدعو إلى الإيجابيَّةِ، في كُلِّ موطِنٍ وفي كُلِّ مَجَالٍ، ففي مَجَالِ العَمَلِ الصَّالِحِ، يقول اللّه تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 105].
وفي مَجَالِ القولِ، يحثُّ على الجهرِ بالكلمَةِ الطّيّبَةِ والقولِ النَّافِعِ، يقول تَبَارَكَ وتعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
وفي مَجَالِ التّوجِيهِ والإرشَادِ إلى النَّفْعِ العَامِّ، يقولُ الرّسولُ صلى اللّه عليه وسلّم: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ».
والنبيُّ الكريمُ يرشِدُنَا إلى حقيقَةِ الإيجابيَّةِ؛ ويريدُ أن يبعِدَ عَنَّا عوامِلَ السّلبيَّةِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عنْ رَعِيّتِهِ»، فكُلٌّ من المسلمين رَاعٍ ومرعِيٌّ، وكُلٌّ منهم ناصِحٌ ومنصُوحٌ، وكُلٌّ منهم خادِمٌ ومخدُومٌ، وكُلٌّ منهم يُسْهِمُ بما يستطيعُ، ليكونَ الجَمَيعُ من أهلِ الصَّلَاحِ والفَلَاحِ، وأولئك هم الذين آمنوا وعملوا الصّالحَاتِ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ؛ فليحاوِلْ كلٌّ مِنَّا أن يكونَ محقِّقًا لذاتِهِ، مقوِّيًا لعزيمتِهِ وإرادتِهِ، مشارِكًا بفكرَتِهِ وكلمَتِهِ ومعاوَنتِهِ، حيثما استطَاعَ أن يشارِكَ، وفي أيِّ مَجَالٍ يمكِنُهُ أن يعمَلَ ويُصْلِحَ أو يُعِينَ.
إنّ أُمَّتَنَا مدعوَّةٌ إلى أن تجدّدَ العَزْمَ على أن تبني عِزَّتَهَا ومَجْدَهَا، بثباتهَا وصبرِهَا، وأن تَتَوَهَّجَ في نُفُوسِ أبنائِهَا المَعَانِي الكريمة للتّماسُكِ والتّضامُنِ، حتّى نسعى من حاضِرِنا إلى غدٍ مشرِقٍ قرِيبٍ ــ بإذنِ اللهِ ــ، وإنّ شعبَنَا يَتَطَلَّعُ إلى عهدٍ جديدٍ، تكون فيه المحاسبَةُ الدّقيقَةُ لكُلِّ مفرِّطٍ، وردع كلِّ بَاغٍ مُفْسِدٍ، كما يتطلَّعُ إلى الإنصَافِ العَادِلِ لكلِّ مظلومٍ، أو محرومٍ أو مهضومٍ.
يريدُ شعبُنَا أن تمتَدَّ الأيدي المُصلحَةُ الحكيمَةُ، الرّحيمَةُ القويمَةُ، إلى جرائم المعتدين، وأشواكِ الجاهلين، فتضرِبَ بيدٍ من حديدٍ كُلَّ من تُسَوِّلُ له نفسُهُ خيانَةَ الأَمَانَةِ، والإضرَارَ بمصَالِحِ الأُمَّةِ، والتّفريطَ في حُقُوقِ الوَطَنِ، فإنّ اللهَ يَزَعُ بالسُّلطَانِ مالا يَزَعُ بالقرآنِ.
يريدُ شعبُنَا من أولياءِ الأمُورِ أن يخرجوا على النّاسِ شُمُوسًا ساطعَةً لا يضيرُهَا السَّحَابُ، ولا يَصُدُّهَا الحِجَابُ، يعتمدون على ذَخَائرَ من عزائِمِهِمْ، ورصيدٍ من سجلَّاتِ أعمالِهِمْ، ولا يحتاجون إلى سَوَاعِدَ مُفْتَعَلَةٍ، ولا سَوَانِدَ مُصْطَنَعَةٍ؛ غايتُهُمْ خدمَةُ المجتمَعِ وحُسْنُ رعايتِهِ، بتأمينِ حَيَاةِ الحُرِّيَّةِ والعدالَةِ والمساوَاةِ، حياة يجدُ فيها كُلُّ فردٍ حقَّهُ، ويَنَالُ حَظَّهُ، وتَتَكَافَأُ في ظلالِهَا الفُرَصُ بين أبناءِ الوطنِ الواحِدِ.
فكونوا ــ رحمكم اللّه ــ على وَعْيٍ وبصيرَةٍ، أَدُّوا واجبَكُمْ الوطنيَّ، وشاركوا جماعِيًّا في اختيَارِ وَلِيِّ الأمرِ الّذي تثقون في صَلَاحِهِ، واجعلوا في طليعَةِ أهدافِكُمْ: حمايَةَ الوَطَنِ، وتقويَةَ اللُّحْمَةِ، وتعزيزَ التّضامُنِ والتّعاوُنِ في المجتمَعِ، والحفاظَ على المكتسبَاتِ، وتعبيدَ الطّريقِ لمواصلَةِ المَسَارِ، والعَمَلَ لتثبيتِ دَعَائِمِ الاستقلَالِ، وبناءَ مستقبَلِ الجزائِرِ، في ظلِّ قِيَمِهَا ومقوّمَاتِهَا وانتمَائِهَا الحضَارَيِّ الأصيلِ.
كونوا ــ عبادَ اللّهِ ــ إخوانًا، وأروا رَبَّكُم ما يرضيه، وأروا عَدُوَّكُمْ ما يغيضه ويضنيه، واذكروا نعمَةَ الله عليكم، واشكروه على ما مَنَّ به على بلادِنَا من نعمَةِ الأمْنِ والاستقرَارِ، بعد مِحَنٍ شِدَادٍ، خرجنا منها بِلُطْفِ اللّهِ، من ظلمَاتِ الخوفِ والإرهَابِ، إلى أنوَارِ الأمنِ والاطمئنَانِ.
حافظُوا على وحدَةِ وطنِكُمْ وتَلَاحُمِ مجتمعِكُمْ، اجتنبُوا عَوَامِلَ الفُرقَةِ والخِلَافِ، وتَمَسَّكُوا بمبادِئِكُمْ وثوابِتِ أمّتِكُمْ.
احفظوا عهدَ الشّهدَاءِ، وصونوا أمانَةَ الاستقلَالِ، وما أمانَةُ الاستقلالِ سوى الجزائر، بوحدَةِ شعبِهَا ووحدَةِ أرضِهَا، بآلامِهَا وآمالِهَا، بثوابتِهَا ومقوّمَاتِ شخصيّتِهَا، بماضِيهَا المجيدِ، وحاضرِهَا المتطلِّعِ إلى التّجديدِ.
وليكن وُقُوفُكُمْ صَفًّا وَاحِدًا، اليد في اليدِ، في مواجهَةِ التحدّيَاتِ، والعَمَلِ لإحبَاطِ المخطَّطَاتِ الّتي يسعى لتحقيقِ أهدافِهَا مَنْ يتربّصون ببلادِنَا الدّوائِرَ، ويستهدفون سِلْمَهَا الاجتماعيَّ، بتهديدِ أَمْنِهَا القومِيَّ، في أبعادِهِ السّياسيَةِ، والفكريَّةِ، والاقتصاديَّةِ، والثقافيَّةِ، مستخدمين في ذلك، مُخْتَلَفَ الأدوَاتِ: الصّلبَةِ والنّاعمَةِ والذّكيَّةِ، في حَرْبٍ هَجِينَةٍ هَدَفُهَا الشَّعْبُ والسُّلْطَةُ والإقليمُ، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].
أعوذُ باللّهِ من الشّيطانِ الرّجِيمِ: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة.105].
جعلني اللهُ وإيّاكم من الذين يستمعون القولَ فيتبّعُونَ أحسَنَهُ، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 18].
اللّهمّ أصلح لنا دينَنَا الّذي هو عصمَةُ أمرِنَا، وأصلح لنا دنيَانَا الّتي فيها معاشُنَا، وأصلح لنا أُخْرَانَا الّتي إليها معادُنَا، واجعل الحَيَاةَ زيادَةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعل الموتَ رَاحَةً لنا من كلِّ شَرٍ، ومتّعنَا بأسماعِنَا وأبصارِنَا وقوّتِنَا ما أحييتَنَا، واجعله الوارِثَ مِنَّا، واجعل ثأرَنَا على من ظَلَمَنَا، وانصرنَا على من عَادَانَا، ولا تجعل الدّنيا أكبرَ هَمِّنَا ولا مبلَغَ علمِنَا، ولا إلى النَّارِ مصيرَنَا، واجعل الجنَّةَ هي دارنَا ومستقرّنَا، ولا تسلّط علينا بذنوبنَا من لا يخافُكَ فينا ولا يرحمُنَا.
اللّهمّ ارفع مقتَكَ وغضبَكَ عَنَّا، ولا تؤاخذْنَا بما فَعَلَ السّفهَاءُ منَّا.
اللّهمّ آمِنَّا في أوطَانِنَا، وأصلح أئمَّتَنَا وولَاةَ أمورِنَا، واجعل بَلَدَنَا هذا بَلَدًا آمِنًا مطمئِنًّا سخاءً رخاءً وسائِرَ بلادِ المسلمين.
اللّهمّ وَفِّق وَلِيَّ أمرِنَا لما تحِبُّ وتَرضَى، وخُذْ بناصيتِهِ للبِرِّ والتَّقْوَى.
اللهمّ وَفِّقْهُ لهدَاكَ، واجعل عملَه في رِضَاكَ؛ وارزقه البطانَةَ الصالحَةَ الّتي تدلّه على الخيرِ وتعينه عليه.
اللّهمّ انْصُرْ مَنْ نَصَرَ الدِّينَ، واخْذُلْ مَنْ خَذَلَ المسلمين، واجعَل دائِرَةَ السُّوءِ على أعدائِكَ الكافرين.
للتصفح والتحميل:
خطبة الجمعة: استقبال شهر الأنوار