Scroll Top

خطبة الجمعة: فضائل عشر ذي الحجة

الخطبة الأولى

الحمدُ لِلَّهِ الذي يصطَفِي من الأيَّامِ والشُّهُورِ ما يشاءُ ويختَارُ، ويختَصُّ من الأزمِنَةِ بالفَضَائِلِ ما يريدُ رحمَةً منه وتذكرَةً لأولِي الأبصَارِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا اللَّهُ وحده لا شريك له العزيزُ الغَفَّارُ، وأشهَدُ أنّ سيِّدَنَا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ المصطَفَى المختَارُ، صلّى اللَّهُ عليه وآلِهِ وصحبِهِ ما تَعَاقَبَ اللّيلُ والنَّهَارُ، أمّا بعد:

عبادَ اللهِ:

لا يَكَادُ يمضِي موسِمٌ من مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ حتّى يَعْقُبَهُ موسِمٌ آخَرُ لتتجَدَّدَ بذلك عَلَاقَةُ المسلمين بربِّهِمْ وتَقْوَى صِلَتُهُمْ به، ويرْفَعُوا رصيدَهُمْ في ميزَانِ العَمَلِ الصَّالِحِ، ويَٓجْبُرُوا النَّقْصَ والخَلَلَ في عباداتِهِمْ، وتفْتَحُ لهم آفَاقٌ رَحْبَةٌ في ميدَانِ التَّنَافُسِ، قال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 26]، وعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: «اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ».

فبعد أن عِشْنَا ــ أيّها المؤمنون ــ أجوَاءَ رَمَضَانَ المبَارَكِ، وتعرّضْنَا لنَفَحَاتِهِ، جاءت أَيَّامُ الفِطْرِ الفضيلَةِ، ففرِحَ المسلمون بالفِطْرِ وبتَمَامِ شَهْرِ الصِّيَامِ، ثمّ جاء شَهْرُ شَوَّال الذي رَغَّبَ الرّسولُ الكريمُ صلّى الله عليه وسلّم في صيامِ السِّتِّ منه، إتمامًا لأجْرِ صِيامِ العَامِ، فصامَهَا كثيرٌ من المسلمين في مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِهَا، ثمّ حَلَّتْ علينا الأشهُرُ الحُرُمُ، وهي ذو القِعْدَةِ وذو الحِجَّةِ الّذي نحن في رِحَابِهِ، هذه الأشهُرُ التي عَظَّمَهَا رَبُّنَا ونَهَانَا عن أن نظلِمَ أنفُسَنَا فيها، حيث قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ  ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]، وأَمَرَنَا رسولُ اللّهِ صلّى اللَّهُ عليه وسلّم بالإكثَارِ من الصِّيَامِ فيها إِذْ قال لأبي مُجِيبَةَ البَاهِلِيِّ رضي اللّهُ عنه: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وهي أشْهُرُ الحَجِّ الّتي يُحْرِمُ فيها الحُجَّاجُ بالنُّسُكِ؛ ويؤدّون عبادَةً من أعظَمِ العباداتِ في الإسلَامِ.

أيّها المؤمنون:

إنّ مَوَاسِمَ الخَيْرِ لا تنقطِعُ في هذه الأمَّةِ المبارَكَةِ، فبعد الذي ذَكَرْنَا من مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ والبَرَكَاتِ، ها هي أَيَّامُ العَشْرِ التي أَقْسَمَ بها ربُّنَا في كتابِهِ قد أقبلَتْ، وهذا القَسَمُ يكفيهَا شَرَفًا وفَضْلًا، إِذْ العظِيمُ لا يُقْسِمُ إلّا بِعظِيمٍ، قال تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1-2].

أقبلتْ هذه الأيَّامُ بخيرِهَا وبَرَكَاتِهَا ونَفَحَاتِهَا، فيها يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، مُبْتَدَأُ أَعْمَالِ الحَجِّ، فِيهِ يُهِلُّ الحُجَّاجُ وَيُلَبُّونَ، وَمِنهُ إِلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ يَنْطَلِقُونَ.

وفيها يومُ عَرَفَةَ، يومُ العِتْقِ من النَّارِ، قال صلّى الله عليه وسلّم كما في حديثِ عائشةَ رضي الله عنها: «مَا مِنْ يَوْم أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ».

وهو يومُ مغفرَةِ الذُّنُوبِ، وصيامُهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سنتين، فقد روى مسلمٌ عن أبي قتادةَ رضي الله عنه أنّ رسولُ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم سُئلَ عن صومِ يومِ عَرَفَةَ فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»، فَيُسَنُّ صيامُهُ لغيرِ الحاجِّ، كما ثبت عن سيِّدنَا رسولِ اللّه صلّى الله عليه وسلّم.

وفيها يومُ النّحرِ، وهو أفضَلُ الأيَّامِ عند اللّهِ، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عنْدَ اللَّهِ تَعَاَلَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ»، ويومُ القَرِّ: هو اليومُ الذي يلي يومَ النَّحرِ، أي اليوم الحَادِي عَشَرَ من ذي الحِجَّةِ، لأنّ النَّاسَ يستقِرُّونَ فيه بِمِنًى ويسترِيحُونَ.

أيّها الموحّدون:

إنّ الأيَّامَ العَشْرَ هي الأيَّامُ التي أَتَمَّهَا اللّهُ لموسى عليه السّلامُ، ليهيِّئَ نفسَهُ للّقَاءِ الموعُودِ والموقِفِ الهَائِلِ العَظِيمِ، الذي كَلَّمَه رَبُّهُ فيه تكلِيمًا، قال تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف: 142].

 إنّها الأيَّامُ التي أكمَلَ اللّهُ فيها الدِّينَ لنبيِّهِ محمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم وأَتَمَّ فيها النّعمَةَ، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الِاسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].

 وممّا زادها شرفًا شهادةُ رسولِ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم لها بأنّها أفضلُ أيّامِ الدّنيا، فقال: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الْعَشْرُ، يَعنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ، قِيلَ: وَلَا مثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ عُفِّرَ وَجْهُهُ بِالتُّرَابِ».

 إنّها الأَيَّامُ المعلومَاتُ التي أَمَرَنَا اللّهُ بأن نُكثِرَ ذكرَهُ فيها، فقال: (لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ) [الحج: 28].

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «هِيَ أَيَّامُ الْعَشرِ».

وللهِ دَرُّ القَائِلِ:

قَدْ أَقْسَمَ رَبِّي بالْفَجْــــرِ        وَلَيَــالٍ عَشْــرٍ فِي الذِّكْــــرِ

مَا مِــــنْ أَيَّامٍ تَفْضُـلُــــــهَا        يَا مَنْ تَبْغِي عَمَلَ الْخَيْرِ

تَهْلِيــلٌ تَكْبِيــــــرٌ حَمْــــدٌ       وَنَصُومُ التَّاسِعَ مِنْ عَشْرِ

يَمْحُو الرَّحْمَنُ بِهِ ذَنْبًا       فِي عَامٍ كَانَ عَلَى الْفَـوْرِ

وَنَطِيبُ بعَاشِرِهَا نَفْسًا       وَنُضَــحِّي في يَوْمِ النَّحْــرِ

فَعَسَى رَبِّي أَن يَرْحَمَن      فِي الْقَبْرِ وَفِي يَوْمِ الْحَشْرِ

صَلَّى الْغَفَّارُ عَلَى الْهَادِي    مَا سَالَ الْغَيْثُ عَلَى الْمَدَرِ

أيّها المسلمون:

لقد خَصَّ اللّهُ هذه الأيَّامَ المباركَةَ بخيرَاتٍ كثيرَةٍ وأُجُورٍ عظيمَةٍ، لمن أَطَاعَ اللّهَ فيها واجتَهَدَ، فالأعمَالُ الصّالحَاتُ فيها أَحَبُّ إلى اللّهِ منها في غيرِهَا، قال صلّى الله عليه وسلّم في الحديثِ الّذي رواه التّرمذيُّ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذَهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».

وروى الدَّارِمِيُّ عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا، مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى».

فاغتنِمُوا ــ أيّها المؤمنون ــ أَيَّامَ العَشْرِ المباركَاتِ، واستعِينُوا باللّهِ، وجدُّوا واجتهِدُوا، فَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَاتٌ مَعدَودَاتٌ، يَنْقَضِي تَعَبُهَا، وَيَبْقَى عَظِيمُ أَجْرِهَا.

بارَك اللّهُ لي ولكم في القرآنِ العظِيمِ، ونفعَنِي رَبِّي وإيَّاكُم بما فيه من الآيَاتِ والذِّكْرِ الحَكِيمِ، أقولُ قولي هذا وأستغفِرُ اللّهَ العَظِيمَ لي ولكم، فاستغفِروه إنّه هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحمدُ للّهِ الذي بنعمتِهِ تتمُّ الصّالِحاتُ، الحمدُ للّهِ حقّ حمدِهِ، حمدًا كما ينبغي لجلَالِ وجهِهِ وعظيمِ سلطَانِهِ، وأشهَدُ أن لا إله إلّا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ سيِّدَنَا محمَّدًا عبدُ اللّهِ ورسولُهُ، نشهَدُ أنّه بَلَّغَ الرّسالَةَ، وأَدَّى الأمانَةَ، ونَصَحَ للأُمَّةِ، وكَشَفَ الغُمَّةَ، وجَاهَدَ في اللّهِ حَقَّ جهادِهِ حتّى أتاه اليقين، صلوَاتُ ربِّي وسلامُهُ عليه، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين؛ أمّا بعد:

أيّها المؤمنون:

إنّ عَشْرَ ذي الحِجَّةِ فرصَةٌ عظيمَةٌ، ونعمَةٌ كبيرَةٌ يجب علينا اغتنامُهَا، بأن نُكثِر فيها من أوجُهِ الخَيرِ وأعمَالِ الطَّاعَةِ. وإنّ من أعظَمِ الأعمَالِ التي ينبغي للعبدِ أن يحرصَ عليها في هذه العَشرِ: تجدِيدُ النِّيَّةِ؛ وإخلَاصُ العَمَلِ للّهِ تبارك وتعالى.

ومن الأعمَالِ في هذه العَشرِ: المحافظَةُ على الفَرَائضِ والواجبَاتِ، قال اللّهُ تعالى في الحديثِ القدسيِّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُهُ عَلَيهِ».

ومن الأعْمَالِ في هذه العَشْرِ الصِّيَامُ، صِيَامُ التِّسْعِ الأَوَّلِ من شَهْرِ ذي الحِجَّةِ، وآكَدُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ لغيرِ الحَاجِّ، قالت حفصَةُ رضي اللهُ عنها: «أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ».

ومن الأعمالِ الصّالحَةِ في هذه العَشرِ الدّعَاءُ، وذكرُ اللّهِ، وتلاوَةُ القرآنِ، وصلَةُ الأرحَامِ، وقَضَاءُ حوائِجِ المسلمين وزيارَةُ المَرضَى وَاتِّبَاعُ الجِنَازَةِ، وإطعَامُ الطَّعَامِ، وسَائِر الأعمَالِ الصّالحَةِ، والإكثَارُ من التّهليلِ والتّكبيرِ والتّحميدِ في كُلِّ الأوقَاتِ وعلى جميعِ الحَالَاتِ، فقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ».

وممّا يندَبُ لمن أراد الأضحيَةَ أن يُمْسِكَ عن حَلْقِ شَعْرِهِ وقَصِّ أظْفَارِهِ إذا دَخَلَ شَهرُ ذِي الحِجَّةِ، تشبُّهًا بحُجَّاجِ بيتِ اللّهِ، لمَا صَحَّ عن رسولِ اللّهِ أنّه قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»، وقد فَهِمَ جمهُورُ الأُمَّةِ من الحديثِ الاستحبَابَ لا الوُجُوبَ، لأنّ الأضحيَةَ سُنَّةٌ، أَوْكَلَهَا اللّهُ إلى إرادَةِ المُكَلَّفِ، فكيف يكون الأمرُ بتَركِ أخذِ الشّعرِ واجِبًا، وهو مرَتَّبٌ على سُنَّةٍ وهي الأضحيَةُ؟

هذا واعلمُوا ــ عبادَ اللّهِ ــ أنّ اللّهَ صلّى على رسولِ الهُدَى في كتابِهِ؛ وأَمَرَكُمْ بالصّلاةِ عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيء يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلِّ على سيِّدِنَا محمِّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلِّم.

الدّعاء..          

للتصفح والتحميل:

خطبة الجمعة: فضائل عشر ذي الحجة

 

جَامعُ الجزائر مركزٌ دينيّ، عِلميّ، ثقافيّ وسياحِيّ، يقعُ على تراب بلديّة المُحمَّديَّة بولاية الجزائر، وسط خليجها البحريّ. تبلغُ مساحته 300.000 متر مربّع، يضمّ مسجِدا ضخما للصّلاة، يسع لـ 32000 مصلٍ، وتصلُ طاقة استيعابِه إلى 120 ألف مصلٍ عند احتساب صحنه وباحَاته الخارجيّة.
قاعة الصّلاةِ وصحنها الفسـيح، جاءت في النّصوص القانونيّة المُنشِأة للجامع، تحتَ تسميةِ “الفضاء المسجدِيّ”.
ويضُمّ المجمّعُ هياكلَ أخرى ومرافقَ سُمّيت بالهَيئات المدمجة، ووجدت هـذه المرافق لتُساهم في ترسـيخِ قِيم الدّين الإسلاميّ من: قرآن منزّلٍ وسنّةِ مطهّرة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم، وكذا للحِفاظ على المرجعيّة الدّينيّة الوطنيّة، بما يخدُم مكتسبات الأمّة ويحقّق التّواصل مع الغير.
وجامع الجزائر هـو معلم حضاريّ، بِهندسته الفَريدة، التي زَاوجـت بين عراقة العِمارة الإسلاميّة بطَابعها المغَاربيّ الأندلسيّ، وآخِر ابْتكارات الهندسة والبِناء في العالم، حيث حقّق عدّةَ أرقامٍ قيَاسيةٍ عالميةٍ في البناء.
فمن حيث الأبْعادُ الهنْدسيةُ، يُعدّ الجامع بين المساجد الأكبر والأضْخَم عبر العالم، بل هو ثالث أكبرِ مسجدٍ في العالم بعد الحرَمين الشريفَين بمكة المُكرّمَة والمدينَةِ المنوّرَة، وهو أكبر مساجد أفْريقيا على الإطلاق، فمساحة قاعة صلاته تبلغ 22 ألف متر مربع، وقُطر قبته 50 مترا، وفُرِش بـ 27 ألف متر مربع من السجّاد الفاخر المصنوعِ محليّا، وتزيَّنت الحوافّ العلويّة لجدرانه بـ 6 آلاف متر من الزّخرفة بمختلف خطوط الكتابة العربيّة.