الخطبة الأولى
الحمد للهِ الكبيرِ المتعَالِ، الكريمِ المفضَالِ، أحمده سبحانَهُ وتعالى أَمَرَنَا بالكسبِ الحَلَالِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا اللهُ وحده لا شريك له، شهادة ندّخِرُهَا ليومِ اشتدَادِ الأهوَالِ، وأشهدُ أنّ سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله، اصطفاه ربّه من خيرةِ البطونِ والرّجالِ، صلّى الله عليك يا عَلَمَ الهُدَى ونُورَ الدُّجَى، علّمتَ أُمَّتَكَ أن تنتقِي أحسنَ الأقوَالِ، وأن تُتْبِعَ الكَلَامَ الطَّيّبَ بكريم الفِعَالِ، وسلّم عليك ربّكَ تسليمًا كثيرًا لا يُعَدُّ بِعدٍّ ولا يخطرُ بِبال، ألا واتّقوا الله عبادَ اللهِ، وراقبوه بالغدوِّ والآصَالِ، واستغفروه من ذنوبِكُمْ وتُوبُوا إليه قبل انقطاعِ الآجَالِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، ألا وإنّ أصدَقَ الحديثِ كتَابُ اللهِ تعالى، وخيرَ الهدى هدى محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، وشَرَّ الأمورِ محدثاتُهَا، وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، أمّا بعد:
فقد قال الله تعالى في مُحْكَمِ البَيَانِ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: «فسافِرُوا حيث شئتُم من أقطارِهَا، وتردّدُوا في أقاليمِهَا وأرجائِهَا في أنواعِ المكاسِبِ والتّجارَاتِ».
عبادَ الله: إنّ اللهَ تعالى قد أَبدَعَ خَلْقَ هذا الكون، وسَخَّرَهُ للإنسَانِ تشريفًا له وتكريمًا، ومن مُقْتَضَى حكمتِهِ البالغَةِ أن جَعَلَ هذا الكونَ خاضِعًا لنواميسَ دقيقَةٍ، وقوانينَ مُطَّرِدَةٍ، لتستقِيمَ حَيَاةُ النَّاسِ، ومن نَوَامِيسِ الحَيَاةِ التّسبُّبُ للكسبِ والمَعَاشِ، فجاءت أَوَامِرُ الشّرعِ الحنيفِ متضافرَةً على الحَثِّ على اتّخَاذِ الصّنعَةِ الشّريفَةِ ــ وهي كلُّ حرفَةٍ تدور في فَلَكِ الحَلَالِ ــ، ِإذْ لم يفرِّقْ الدّينُ بين حرفَةٍ دنيَّةٍ وصنعَةٍ رفيعَةٍ، فكلُّ كسْبٍ حَلَالٍ وِسَامُ شَرَفٍ لصاحبِهِ، يَتَعَفَّفُ به عن ذُلِّ السُّؤَالِ، ويؤجَرُ عليه ثوابًا من عند اللهِ الكبيرِ المتعالِ، جاء في الأَثَرِ الصّحيحِ عند البخاريِّ عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ»، وكما حَثَّ الإسلَامُ على الكسبِ والتّسبُّبِ له، فقد حرص على أن يكونَ من حَلَالٍ، فَأَمَرَ الله تعالى المؤمنين بتحَرِّي الطَّيِّبِ من المَعَاشِ، وحَرَّمَ عليهم الخبيثَ منه، جاء في سُنَنِ التّرمذيِّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟».
أمّةَ الإسلام: إنّ اللهَ تعالى قد أَمَرَنَا بالاقتدَاءِ بسادَةِ البَشَرِ، وخيرَةِ الخَلْقِ، وهم أنبياؤُهُ ورسلُهُ عليهم الصّلاةُ والسّلامُ، وقد أخبرَنَا رسولُنَا صلّى الله عليه وسلّم بأنّ إخوانَهُ من صفوةِ الخَلْقِ قد اتّخذوا حِرَفًا ومِهَنًا وصَنَائِعَ، فضربُوا للنّاسِ أروعَ الأمثلَةِ في التّعفُّفِ عن السُّؤالِ بالعَمَلِ والكسبِ الحَلَالِ، جاء في الخَبَرِ عند مسلم عن أبي هريرَة أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كَانَ زَكَرِيَّاءُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَجَّارًا».
وفي صحيحِ البخاريِّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ».
وفي صحيحِ البخاريِّ أيضًا قال صلّى الله عليه وسلّم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».
قال الحافظُ ابنُ حجر ــ رحمه الله ــ تعليقًا على الحديثِ: «وفيه الحَضُّ على التَّعَفُّفِ عن المسألَةِ والتّنزُّهِ عنها، ولو امْتَهَنَ المرءُ نفسَهُ في طَلَبِ الرّزْقِ، وارتكَبَ المشقَّةَ في ذلك، ولولا قبح المسألَةِ في نَظَرِ الشّرعِ لم يُفَضِّلْ ذلك عليها، وذلك لِمَا يدخُلُ على السَّائِلِ من ذُلِّ السُّؤَالِ، ومن ذُلِّ الرَّدِّ إذا لم يُعْطَ»، اهـ.
أمّةَ العمل: إنّ عظمةَ الإسلامِ تكمُنُ في تشريفِهِ للعملِ الصّالِحِ بمفهومِهِ الشّامِلِ، فكُلُّ ما تنتِجُهُ يدُ المؤمِنِ من عملٍ نافعٍ فهو صدقَةٌ يؤجَرُ عليها، سواء تَعَلَّقَ بأمورِ الدّينِ كفعلِهِ للطّاعَاتِ والقُرُبَاتِ، أو تَعَلَّقَ بأمورِ الحَيَاةِ والمَعَاشِ، كالتَّكَسُّبِ من طريقٍ حلالٍ، أو ما ينفعُ به غيرَهُ كإغاثةِ الملهُوفِ وإعانَةِ الصّانعِ، بل وحتى كفُّهُ شرَّهُ وأذاهُ عن النّاسِ يُعْتَبَرُ صدقةً منه على نفسِهِ، ففي الصّحيحين عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: « قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ»، فما أعظم دين الإسلامِ الذي يعتبِرُ تَركَ الأَذَى عَمَلًا صالحًا يؤجَرُ صاحبُهُ عليه.
أمّةَ الحضارة والمدنيّة: إنّ اللهَ تعالى قد كتب الرّفعَةَ والتّمكينَ لمن أَخَذَ بأسبَابِ المدنيَّةِ والحَضَارَةِ، فهي قوانينُ كونيَّةٌ لا تحَابي أَحَدًا، وقد أَشَارَ شيخُ الأزهَرِ الأسبَقِ العَلَّامَةُ محمّدُ الخضر حسين الجزائريّ رحمه الله إلى أَهَمِّ دَعَائِمِ رفعَةِ الأمَّةِ وقيامِهَا، فقال رحمه الله كما في رسائِلِ الإصلاحِ (5/331): «يعمل المصلحون على أن تكونَ شؤونُ أممهم الاجتماعيَّةُ في نظَامٍ وصَفَاءٍ، ولا تستقيم هذه الشّؤونُ وتخلصُ من كُلِّ كَدَرٍ، إلّا حيث تكون الأمَّة قد استوفَت وسائلَ القوَّة والمنعَة، وهي: الارتواء من مناهل العرفَان، والرّسوخ في مكارِمِ الأخلَاقِ، والاعتصَام بحبلِ الائتلَافِ والاتّحَادِ، وتوفير الأيدي على العَمَلِ لكسبِ الأرزَاقِ، وهذه الوسائِلُ الأربَعُ إنّما تَعُودُ على النّفسِ بطمأنينَةٍ، وتذيقُهَا طَعْمَ حَيَاةٍ لذيذَةٍ متى سَبَقَهَا إيمَانٌ يضربُ بأشعّتِهِ في كُلِّ سبيلٍ.
فتفاضُلُ الأمَمِ في مَرَاقِي العزَّةِ والقوَّةِ، يجري على قدرِ تفاوتِهَا في الإيمَانِ والعلمِ وكَرَمِ السَّجَايَا ومتانَةِ الاتّحَادِ، والسّعيِ لاكتسَابِ الطَّيِّبِ من الرّزقِ»، اهـ.
أمّةَ العلم والعمل: إنّ صروحَ العلمِ من مدارِسَ ومساجِدَ ومعاهِدَ وجامعَاتٍ ــ ومن ضمنها جامع الجزائِرِ بجمِيعِ مرافِقِهِ ــ مطالبَةٌ بتوجِيهِ الأمَّةِ الوجهة الصّحيحة، وقيادتِهَا بحكمَةٍ ومسؤوليَّةٍ عن طريقِ استثمَارِ العلمِ في مختلفِ مجالاتِ البنَاءِ والإعمَارِ والتّشييدِ، بأن تبتكِرَ لنا وتبدِعَ ما ينهَضُ بالأمّةِ من أفكَارٍ نيّرةٍ، وحلولٍ لمَشَاكِلَ عويصَةٍ، واستشرافات لما بعد نَفَادِ ثرواتِنَا الباطنيَّةِ المحدودَةِ، كالاستثمَارِ في الطَّاقَاتِ المتجدِّدَةِ.
فالزمي أمَّةَ الخيريَّةَ دَعَائمَ الرّقيّ والحضارَةِ، وتحقّقِي بها في مسيرَةِ البنَاءِ والتّشييدِ: اجعلِي من العلمِ النّافِعِ نبرَاسًا وهدايَةً، وتَحَلّيْ بمَكَارِم الأخلاقِ، واعتصمي بحبلِ الاتّحَادِ والائتلَافِ، وتوّجي كلَّ ذلك بالعَمَلِ الصّالِحِ والكسْبِ الحَلَالِ، وأتقني كلَّ عملٍ تقومين به، فقد صَحَّ في الخَبَرِ عند الطَّبَرَانِيِّ في معجمِهِ الأوسَطِ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ».
سَعْيُ الْفَتَى في عَيْشِهِ عِبَادَهْ وَقَائِدٌ يَهْدِيهِ لِلسَّعَادَهْ
لِأَنَّ بِالسَّعْيِ يَقُومُ الْكَوْنُ وَاللَّهُ لِلسَّاعِينَ نِعْمَ الْعَوْنُ
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الحليمَ العظيمَ لي ولكم، ويا فوزَ المستغفرين، أستغفرُ الله.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ وكَفَى، والصّلاةُ على النّبيِّ المصطَفَى، ومَنْ بآثَارِهِ اقتفى، وبعهدِ اللهِ وَفَّى، وسَلَامٌ على عبادِهِ الذين اصطَفَى، وبعد:
أمّةَ الكلمةِ والقلمِ: إنّ اللهَ تعالى قد تعبَّدَنَا بالكلمَةِ تخرج من أفواهِنَا، فَأَمَرَنَا أَمْرًا مؤّكَّدًا باختيَارِ أِطِايِبِ الكَلَامِ، من إِسْدَاءِ نُصْحٍ، أو تبليغِ عِلْمٍ نَافعٍ، أو إصلَاحٍ بين النّاسِ، فقال عزّ من قائل: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83].
وقال سبحانه (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114]، وضرب للكلمَةِ الطَّيِّبَةِ أَرْوَعَ الأمثلَةِ، فقال عزّ وجلّ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم: 24 ــ 25]، وحذَّرَنَا في الوقتِ نفسِهِ من كلِّ كلمَةٍ خبيثَةٍ، تنشر رذيلَةً، أو تهتِكُ عِرْضًا، أو تثيرُ فتنَةً، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19]، وضَرَبَ للكلمَةِ السّيّئَةِ أخبَثَ مِثَالٍ؛ فقال سبحانه: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [إبراهيم: 26].
أمّةَ المسؤوليّة: إنّنا مأمورون ــ خصوصًا رجَالَ الكلمَةِ والإعلَامِ ــ بحفظِ ألسنتِنَا، ومراقبَةِ أقلامِنَا عن بَثِّ ما من شأنِهِ أن يعمَلَ على زرعِ بذورِ الفتنَةِ، ونشرِ القَلَاقِلِ، وإشاعَةِ الرّذيلَةِ والمنكَرِ، فخطَرُ الكلمَةِ جسيمٌ، ووقعُهَا عظيمٌ، وتَبَعَاتُهَا لا يعلمُهَا إلّا اللهُ العليمُ، فلنتحَرَّ نَقْلَ الأخبَارِ، ولنراقِبْ اللهَ تعالى في كُلِّ ما تتفوَّهُ به ألسنتُنَا؛ وتخطُّهُ أيمانُنَا، وليكن شعارُنَا قولَهُ تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، فإن استشعَرْنَا خطورَةَ الكلمَةِ وتفوَّهْنَا بما ينفَعُ؛ فَبِهَا ونعْمَتْ، وإلّا فلنلزِمْ الصَّمْتَ الّذي وَصَّانَا به خيرُ البريَّةِ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في قوله: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
إِنَّ الْقَلِيـــــــلَ مِنَ الْكَلَامِ بأَهْلِـــــــهِ حَسَنٌ وَإِنَّ كَثِيرَهُ مَمْقُــــــــــوتُ
مَا زَلَّ ذُو صَمْتٍ وَمَا مِنْ مُكْثِرٍ إِلَّا يَزلُّ وَمَا يُعَابُ صَمُـــوتُ
إِنْ كَانَ يَنْطقُ نَاطقٌ منْ فِضَّةٍ فَالصَّمْتُ دُرٌّ زانَهُ الْيَاقُوتُ
عبادَ اللهِ: إنّي داع فَأَمِّنُوا.
للتصفح والتحميل: