Scroll Top

خطبة الجمعة: فضل يوم عرفة

الخطبة الأولى

الحَمْدُ للهِ الّذي شَرَعَ لنا مَوَاسِمَ الخَيْرِ، وَفَتَحَ لنا أَبْوَابَ الرّحَمَاتِ، وَفَضَّلَ بعضَ أَيَّامِهِ على سَائِرِ الأَيَّامِ بِمَا لَهَا مِنَ المكَانَةِ والبركَاتِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ على نِعَمِهِ الَّتِي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى على مَرِّ العُصُورِ والسَّنَوَاتِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيـكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ أَهْلِ الأرضِ والسَّمَاوَاتِ، وإِمَامُ المُشْتَغِلِينَ بِعِبَادَةِ اللهِ في جَمِيعِ الأَيَّامِ والسَّاعَاتِ، صلّى اللّهُ عليه وسلّم، وعلى آلِهِ وصحْبِهِ إلى يَوْمِ الجَزَاءِ والمَكْرُمَاتِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي ــ عِبَادَ اللَّهِ ــ بِتَقْوَى اللَّهِ،؛ فَإِنَّهَا طَرِيقُ الفَلَاحِ وَسَبِيلُ النَّجَاةِ، (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 100]، وَاعْلَمُوا ــ رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ــ أَنَّ عَشْرَ ذِي الحِجَّةِ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَكْمَلِهَا، وَالعَمَلَ الصَّالِحَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلّى اللّهُ عليه وسلّم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»، غَيْرَ أنّ هَذِهِ الأَيَّامَ لَيْسَتْ في الفَضْلِ سَوَاءً، فإنّ مِنْ أَفْضَلِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وهو اليومُ التّاسِعُ من ذي الحجّة؛ ينتقِلُ الحُجَّاجُ في صباحِهِ إلى صعِيدِ عرفاتٍ الطّاهِرِ، ليشهدُوا ذلك الموقِفَ العظِيمَ، في يومٍ عظِيمٍ مشهُودٍ، تشهدُهُ المَلَائِكَةُ؛ هو رُكْنُ الحَجِّ الأكبَرِ.

وقال عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ».

ومعنى الحديثِ كما قال الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في فَتْحِ البَاري: «الحَجُّ عَرَفَةُ: أي مُعظَمُ الحَجِّ ورُكْنُهُ الأكبَرُ»، انتهى.

وهو اليومُ المشهُودُ الذي أَقسَمَ اللّهُ تعالى به في قولِهِ: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) [سورة البروج: 3]، ففي سننِ التّرمذيِّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اليَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ».

يومٌ يبَاهِي اللّهُ تعالى بأهْلِ المَوْقِفِ أهلَ السَّمَاءِ، وأَنْعِمْ بهذا من فَضْلٍ ونِعْمَةٍ؛ ففي صحيحِ مسلِمٍ عن عائشَةَ رضي الله عنها عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟».

وهو اليومُ الذي يستحَبُّ فيه الاجتهَادُ في الدُّعَاءِ لأنّه مَظَنَّةُ الإجابَةِ والقَبُولِ، فقد رَوَى التّرمذيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

وهو يَوْمُ المغفرَةِ العَامَّةِ لأهْلِ المَوْقِفِ، فقد رَوَى الإمَامُ ابنُ عَبْدِ البَرِّ رحمه الله تعالى في التّمهيدِ بسندِهِ عن أنسِ بن مالكٍ رضي اللّهُ عنه قال: «وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ وَكَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَؤُوبَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، أَنْصِتْ لِيَ النَّاسَ، فَقَامَ بِلَالُ فَقَالَ: أَنْصِتُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَصَتَ النَّاسُ، فَقَالَ: مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَأَقْرَأَنِي مَنْ رَبِّيَ السَّلَامَ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَنَا خَاصٌّ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَلِمَنْ أَتَى بَعْدَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَثُرَ خَيْرُ اللَّهِ وَطَابَ».

فالحمدُ للّهِ كثيرًا على هذه النّعمَةِ الجليلَةِ، والمغفرَةِ العميمَةِ، والفضْلِ الجزِيلِ من اللَّهِ تعالى.

إخوةَ الإيمان: هذا للحَاجِّ، أمَّا غير الحَاجِّ فينالُهُ من فضْلِ هذا اليومِ صيامُهُ ؛ فقد ثَبَتَ في صحيحِ مسلِمٍ عن أبي قَتَادَةَ رضي اللّه عنه أنّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ»، فأوصي نفسي وإيَّاكُمْ بالحرْصِ على صيَامِ هذا اليَومِ أو تبييتِ النِّيَّةِ لمن عَجَزَ عنه، ليَنَالَ الأجْرَ والفَضْلَ، وعليكم باغتنَامِ الفُرَصِ في هذه المَوَاسِمِ، لمَزِيدِ القُرْبَى من اللّه، فإنّ المَرْءَ لا يدرِي لعلّه لن يُدْرِكَ هذا الخَيْرَ كَرَّةً أخرى، ومَنْ أَقْبَلَ على اللّهِ، أَقْبَلَ اللَّهُ عليه بعفوِهِ وفضلِهِ.

رَوَى البخاريُّ عن سيِّدِنَا أنسٍ رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يروِيهِ عن ربِّهِ قال: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».

ومعنى تقرُّبِ اللّهِ من العبدِ وهرولتِهِ سبحانه وتعالى، سرعَةُ فضلِهِ ورحمتِهِ، ومغفرتُهُ لعبدهِ.

فلنُرِ اللَّهَ من أنفسِنَا خيرًا في هذه الأيَّامِ المُبَارَكَاتِ، وخُصُوصًا يَومُ عَرَفَةَ الذي أَكمَلَ اللّهُ فيه الدِّينَ وأَتَمَّ فيه النّعمَةَ.

فقد رَوَى البخاريُّ والنّسائيُّ بسندهما عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ الْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ».

ومعنى كَمَالِ الدِّينِ؛ كَمَالُ أحكَامِ الشّريعَةِ بآخِرِ رُكْنٍ من أركَانِ الإسلَامِ وهو الحَجُّ؛ فشريعَةُ اللّهِ من حينَئِذٍ كاملَةٌ ليس فيها نَقْصٌ، ولا تحتَاجُ إلى من يكمِّلُهَا، تشمَلُ جميعَ مَظَاهِرِ الحَيَاةِ طولًا، فتشمَلُ الزَّمَنَ إلى قيَامِ السَّاعَةِ، وعرضًا فَتَشْمَلُ النّاسَ جميعًا وتنتظِمُ شُؤُونَ الإنسَانِ في كُلِّ زَمَانٍ ومَكَانٍ؛ فلا حَرَامَ إلَّا ما حَرَّمَ اللّهُ ورسولُهُ، ولا دِينَ ولا عبادَةً إلّا ما شرَعَهُ اللّهُ ورسولُهُ، فَأَيُّمَا إنسَانٍ يَنشُدُ الكَمَالَ فعليه بالدِّينِ الكَامِلِ والنِّظَامِ الكَامِلِ والمنهَجِ الكَامِلِ.

قال تعالى: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [سورة البقرة: 137].

فنحن من ها هُنا نَدْعُو النَّاسَ دعوَةَ حُبٍّ للخيرِ لنا ولهم، إلى هذا الدِّينِ الكامِلِ الذي ارتضَاهُ اللهُ لعبادِهِ.

أقول قولي هذا واستغفِرُ اللّهَ العَظِيمَ لي ولكم من كُل ذَنْبٍ، فاستغفرُوهُ تجدُوهُ غُفُورًا رحيمًا.

الخطبة الثانية

الحمدُ للّهِ، (الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [الشورى: 26].

وأشهَدُ أن لا إلَهَ إلّا اللّهُ وحده لا شريك له، وأشهَدُ أنّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللّهمّ صلّ وسلِّمْ وبارِكْ على هذا النّبيِّ الأمينِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين إلى يومِ الدِّينِ.

 أيّها الأخوة المؤمنون: تِلْكُمْ بعْضُ فضائِلِ يَوْمِ عَرَفَةَ المشهُودِ، ويليه عَاشِرُ أَيَّامِ ذِي الحِجَّةِ، يَوْمُ الحَجِّ الأكبَرِ، سُمِّيَ هكذا لأنّ أَغْلَبَ أعمَالِ الحَجِّ تَقَعُ فيه، وأمّا لغيرِ الحَاجِّ فهو يومُ النَّحْرِ، سُنَّةُ أبينا إبراهيمَ حنيفًا عليه السّلامُ.

وتبدأ أعمالُ يومِ النّحْرِ بالتّكبِيرِ والتّسبِيحِ من طُلُوعِ فَجْرِهِ إلى الضُّحَى، ثمّ صَلَاةُ العِيدِ وسماعُ خطبتَيْهِ ثمّ نَحْرُ الأُضْحِيَةِ وهي من أعظمِ شعائِرِ هذا اليومِ بنيَّةِ التّقرُّبِ إلى اللّهِ تعالى وإحياءِ سُنَّةِ خيرِ الأنَامِ صلّى الله عليه وسلّم.

ويسَنُّ للمسلم أن يخرجَ صائماً من منزله حتى ينحَرَ ويأكلَ من كَبد أضحيته؛ كما يسَنُّ له الإكثَار في هذا اليوم من التّكبيرِ، والتّكبير دبر الصّلوات الخمس من ظهر يوم العيد إلى صبح اليوم الرّابع من أيّام العيد، قال عليه الصّلاة والسّلام: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ».

وَيُسْتَحَبُّ في هذا اليومِ التّوسِعَةُ على العيَالِ وصلَةُ الأرحَامِ والصَّدَقَةُ من الأضحيَةِ، قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُها وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) [سورة الحج: 35]، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا.

وممّا ينبغِي أن يتعلَّمَهُ المسلِمُ من يَوْمِ النَّحْرِ؛ معنى التَّضْحيَّةِ؛ وهو حَمْلُ النّفسِ على فِعْلِ ما يُرضِي اللّهَ وإيثار رضَا اللّهِ على رضَا النّفسِ، وأن يَتَعَلَّمَ وهو يَنْحَرُ أضحيَتَهُ أن يَنْحَرَ معها كبريَاءَهُ وغرورَهُ وحُبَّهُ لذاتِهِ. وتحيا مكانَهَا معاني الايثَارِ والتَّكَافُلِ والإحسَانِ والتَّعَاوُنِ بين الأهْلِ والجيرَانِ ليكتمِلَ معنى العيدِ بدُخُولِ السُّرُورِ على من ضَحَّى ومن لم يُضَحِّ.

أيّها الأخوة المؤمنون: نتعلَّمُ من يومِ النَّحْرِ معنى التّضحيَّةِ والانقيَادِ والاستسلَامِ لأمرِ اللّهِ مهما كان الابتلَاءُ صعبًا، وهذا ما ابتُلِيَ به أبُونَا إبراهيمُ عليه السّلام، الذي نُحْيِي بِسُنَّةِ النَّحْرِ هذا المعنى، لتستوعِبَهُ قُلُوبُنَا، قال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) [سورة الصافات: 106]، ونتيجَةُ التّضحيَةِ والاستسلَامِ لأمرِ اللّهِ، لا شَكَّ عَطَاءٌ عظيمٌ وفَلَاحٌ في الدّنيَا والأخرَةِ، قال تعالى:  (وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة النحل: 122].

إنّ التّضحيَّةَ التي نتعلَّمُهَا في سَاحَاتِ العبَادَةِ نحتَاجُ إليها لنَنْجَحَ في مَيَادِينِ الحَيَاةِ، قدوتُنَا ومعلّمُنَا فيها سيِّدُنَا ابراهيمُ عليه السّلام، قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) [سورة الحج: 76].

الدّعاء.

للتصفح والتحميل:

خطبة الجمعة: فضل يوم عرفة

 

جَامعُ الجزائر مركزٌ دينيّ، عِلميّ، ثقافيّ وسياحِيّ، يقعُ على تراب بلديّة المُحمَّديَّة بولاية الجزائر، وسط خليجها البحريّ. تبلغُ مساحته 300.000 متر مربّع، يضمّ مسجِدا ضخما للصّلاة، يسع لـ 32000 مصلٍ، وتصلُ طاقة استيعابِه إلى 120 ألف مصلٍ عند احتساب صحنه وباحَاته الخارجيّة.
قاعة الصّلاةِ وصحنها الفسـيح، جاءت في النّصوص القانونيّة المُنشِأة للجامع، تحتَ تسميةِ “الفضاء المسجدِيّ”.
ويضُمّ المجمّعُ هياكلَ أخرى ومرافقَ سُمّيت بالهَيئات المدمجة، ووجدت هـذه المرافق لتُساهم في ترسـيخِ قِيم الدّين الإسلاميّ من: قرآن منزّلٍ وسنّةِ مطهّرة على صاحبها أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم، وكذا للحِفاظ على المرجعيّة الدّينيّة الوطنيّة، بما يخدُم مكتسبات الأمّة ويحقّق التّواصل مع الغير.
وجامع الجزائر هـو معلم حضاريّ، بِهندسته الفَريدة، التي زَاوجـت بين عراقة العِمارة الإسلاميّة بطَابعها المغَاربيّ الأندلسيّ، وآخِر ابْتكارات الهندسة والبِناء في العالم، حيث حقّق عدّةَ أرقامٍ قيَاسيةٍ عالميةٍ في البناء.
فمن حيث الأبْعادُ الهنْدسيةُ، يُعدّ الجامع بين المساجد الأكبر والأضْخَم عبر العالم، بل هو ثالث أكبرِ مسجدٍ في العالم بعد الحرَمين الشريفَين بمكة المُكرّمَة والمدينَةِ المنوّرَة، وهو أكبر مساجد أفْريقيا على الإطلاق، فمساحة قاعة صلاته تبلغ 22 ألف متر مربع، وقُطر قبته 50 مترا، وفُرِش بـ 27 ألف متر مربع من السجّاد الفاخر المصنوعِ محليّا، وتزيَّنت الحوافّ العلويّة لجدرانه بـ 6 آلاف متر من الزّخرفة بمختلف خطوط الكتابة العربيّة.